مسخي – قصة درامية – بقلم محمود خالد

مسخي
نَص القصة الدرامية ” مسخي “
اشعلت سيجارتي الشرعية ، فتحت الجرنال الذي اشتريته قبل ان اصعد الي الحنطور ، 20 فبراير 1942 افتتح الملك فاروق مستشفي جديدة بالإسماعلية….مقال بقلم (فؤاد حسين فريد) ، انا من كتبت هذا الخبر بحكم عملي كصحفي بجريدة الاهرام ، سرحت بعدها في شوارع القاهرة ، حاولت ان احتفظ ببعض اللقطات للمرة الاخيرة قبل ان اغادر ، قطع سرحاني توقف الحنطور و استدارة سائق الحنطور لي ، بصوت فظ ..ونفاذ صبر : لقد وصلنا ، اعطيته ما طلب ، واخذت الجرنال و علبه السجائر ونزلت ، ثم رأيتها ، لم ارى ولم الاحظ غيرها كالعادة ، (ليلي) ،كانت في الجهة المقابلة ، بدأت في السير نحوها ، كانت قد ظهرت الابتسامة التلقائية التي تظهر عندما اراها ، و كان قد انتابني الشعور بالخجل..الخجل الذي يصيبني في كل مره اراها ، الخجل من شكلي و هيئتي ، كيف لكل هذا السمار مجعد الشعر اسود العينين صاحب النظارة المهكعه ، ان يتزوج بذلك الشعر البني الناعم والعينان الزرقتان و البشرة البيضاء الي درجه الاستفزاز ، دائما ما اتسأل ، كيف كل هذا الجمال ابنه عمي ، من الواضح ان زوجه عمي كانت تسلك سلوك غير شريف .. ، كنت كلما اقترب منها ، كانت توضح ملامح وجهها اكثر ، كانت ملامح وجهها حاده علي غير العادة ، لذلك بدأت ابتسامه وجهي في الاختفاء شيء فشيء ، وصلت لها .. كان وجهها يعبر عن البركان الذي كان بداخلها ، كانت ال(111) مسيطره علي حاجبيها و بصوت حاد : لماذا اتيت ؟
اخرجت من جيبي الساعة الفضية الذي ورثتها من ابي و اشرت اليها و ببرود : لأنه ميعاد انتهاء عملك .. ولكي اصطحبك الي البيت مثل كل يوم .
بدأت في السير :اهي المرة الأخيرة اذا ؟
بدأت نبره صوتي الذي تدل انني قد انفعلت بالظهور : لماذا تقولين هكذا ..لما تعتبرين انني لن اعود .
ضحكت مستهزأه : انت ذاهب الي الحرب ..كيف اتوقع ان تعود .
امسكت يدها و اوقفت سيرها :اتريني جندي ؟ ..اتريني ذاهب لكي احارب ؟..انا ذاهب لأرسل اخبار للجريدة من هناك ليس الا .
استكملت سيرها :ذلك لا يمنع انك اناني ..تفكر في نفسك و عملك فقط ولا تفكر بي .. كان من المفترض ان نتزوج بعد ثلاثة اشهر .. لكن الان اصبح مصيرنا مجهول .
كنا قد وصلنا الي العمارة الذي نسكن بها ، انا مع أمي (زينب) بعد وفاه والدي ، وهي مع حالها بعد وفاه والديها ، عمارة صغيره ، مهكعة البنيان صاحبه مظهر متواضع
اجبتها بصوت مساوي لمستوي صوتها : حديث رئيس التحرير كان واضحا ..اذا لم اسافر سوف يفصلني ..ماذا كنتي تريدني ان اختار .
بقله حيله : لا اعلم يا (فؤاد) ..ولكن ما اعلمه انك لم تختارني .
قالتها وصعدت منزلها ، تأملتها وهي تصعد الدرج ، ثم اخرجت سيجارة واشعلتها ، تلك هي اخر سيجارة اشربها كل يوم قبل ان اصعد للمنزل ، بسبب محاضرات اضرار التدخين الذي تلقيها على امي عندما تراني اشربها .
انتهيت وصعدت انا الاخر علي الدرج ، المجهود الذي تبذله في صعود ذلك الدرج يكفي لصعود جبل ، تحتاج الي فنجانين قهوة علي الاقل حتي تستطيع التركيز و تفاضي قطع الدرج المكسورة ، وصلت الي منزلي وطرقت الباب .
الله أكبر – بصوت مرتفع –
كانت تصلي ، اخرجت المفتاح من جيبي وفتحت الباب ، منزل اقل من المتوسط ، الشقوق بصمه علي كل جدار ، عفش متواضع ، والوان باهته ، دخلت مباشرتا الي غرفتي ، اصغر غرفه في المنزل و اكثرهم تواضعا ، في الحقيقة المنزل عبارة عن غرفتين فقط ، خلعت طربوشي و غيرت ملابسي ، وجلست علي سريري الصغير الحديدي الذي يشبه سراير السجون ، كان علي السرير قلم و اجنده ، امسكت بهم و استكملت كتابه مقالي الاخير للجريدة قبل سفري ، في وسط انشغالي بكتابة المقال ، طرقت امي الباب و دخلت ، امرأة هادئة ، سلبية في بعض الاحيان ، لم اراها منفعلة قد ، كعاده النساء كبار السن في 1942 ، هي السبب الاول و الرئيسي فيما انا عليه الان ، وقعت كل المسؤلية علي عاتقها بعد وفاه والدي وانا صغير ، احبها حبا لا يوصف ، فهي حياتي بأكملها ،كان القلق مسيطر علي وجهها ، لكنها تعلم جيدا انني لن اغير قراري ، لذلك لم تبذل مجهود في اقناعي بالبقاء ، كان كلامها يدور حول نصائح افعلها هناك .
شده سعادتي بتلك الخطوة جعلت عقلي يغفل عن التفكير في ماذا سوف افعل هناك ؟..كيف سوف اتعايش ؟..انني حتي لا اعلم موقع بولندا الذي سوف اسافر لها علي الخريطة ، أينعم لدي قدر ليس بالهين من اللغة الانجليزية ، لكن ذلك ليس كل شئ ، لكن في الحقيقة كلما كان يذهب عقلي للتفكير في تلك المنطقة كنت اعيده مره اخري ، كنت اغلق ابواب القلق ، حتي لا اغير قراري .
كان الخميس ، يومي انا و (توفيق) ، اعتدنا انا و (توفيق) ان يكون الخميس من كل اسبوع هو يومنا الخاص ، الذي نقضيه بأكمله في قهوة (ليالينا) ، قهوة صغيرة تقع علي اول شارعي ، تلك القهوة التي سمعت كل افكارنا ، طموحاتنا ، احلامنا .. حتي اصبحت تعرف ماذا نريد ان نفعل و متي .
انتهيت من المقال ..لم اعطيه مجهودا كثيرا ، حان موعد التقائي بتوفيق ، فتحت باب المنزل ، وجدت جاري (عباس) الذي يسكن في المنزل المقابل لي فاتحا بابه ، تقريبا كان يخرج قمامته التي لا تخلي من زجاجات الخمر ، لعنت الدقيقة الذي خرجت فيها لأنها جعلتني اقابله ، لمعت عيناه بعدما رأني وقال بأنشكاح : سمعت انك سوف تسافر غدا .
بدين ، وحيد ، صوته كالصداع ، شاربه ابيض اقرب الي حجم الرصيف .
لم اتعجب كيف علم بأمر سفري ، لأنه دائما ما يعرف اخبار السكان دون اخباره ، تلك هي وسيله تسليته بجانب النساء و الخمر ، التصنت و التدخل في امور السكان .
بنبره اشمئزاز و تعالي في نفس الوقت : نعم سوف اسافر بولندا .
بعشم : يجب ان تثقل في الملابس فهناك الجو …
قاطعته : متأسف ..لا املك وقت للحديث .
انكمش وجهه : بالطبع ..لا يوجد مشكلة .
بدأت في النزول علي الدرج ، سمعت صوته من اعلي : لم يأتيني صديقك الفاشل (توفيق) اليوم .. اخبره اذا لم يأتي غدا لن يدخل الدكان ثانيتا .
وصلت الي القهوة ، كان توفيق في انتظاري بصحبه كوب من الشاي ، سحبت كرسي و جلست امامه .
اصدقاء منذ الطفولة ، نفس سني ، نفس مستواي الاجتماعي ، لكنه يختلف كثيرا ، هدفه الاول و الوحيد في الحياة ، جمع المال ، ليس لسبب معين ، يحب جمع المال للمال فقط ،
من الممكن ان تكون عقده نقص او ما شابه ، انه صديقي الوحيد الذي لا املك بديل له ولكن تكره ليلي كره شديد ، تراه فاشل ولا يصلح ان يكون صديقي ، امنيتها الوحيده ان اقطع علاقتي به.
شاهد:جدار اليقين قصة رومانسية حزينة
اردف بنبره مرحه : لماذا تأخرت …انه اخر خميس .
بنره حاده : لماذا لم تذهب للدكان .
اخذ رشفه من الشاي : اشتكى لك اليس كذلك ؟
بدأت نبره صوتي في الارتفاع : جاوبني .
خلع طربوشه : كنت معه .
وصلت لقمه الانفعال : ثانيتا … الم اخبرك من قبل الا تذهب معه مره اخرى …اذا تم القبض عليك سوف تعدم .
ببرود شديد : نعم ..وانا لم اسمع لك .
يتجسس علي المعسكرات البريطانية ، ولكن ليس لصالح الحكومة المصرية ، بل لصالح القوات الألمانية في ليبيا ، انه لا يفعل ذلك بدافع وطني ، او اعتقادا منه ان الخلاص سوف يأتي علي يد الالمان مثل الملك و الحكومة ، لكن يفعل ذلك بدافع المال …فالألمان يدفعون كثيرا ، خلعت طربوشي انا الاخر و بدأ صوتي في الانخفاض : معك حق ..الامر لا يعنيني …انها حياتك …تصرف كما شأت ..ولكن ارسل لك عباس رساله …اذا لم تذهب له غدا …لا تذهب مره اخري .
طلبت كوب شاي ، ثم غيرنا حديثنا ، و استكملنا الليلة ، كأي ليله خميس مضت ، تلك هي عادتي انا و توفيق لا تأخذ الخلفات ، حيذ كبير بيننا .
اول ليله علي السفينة ، مرت ببطيء ، اخبرني قبطان السفينة اننا سوف نظل في البحر اربع ايام حتي نصل لبولندا .
طوال تلك الايام كنت اكتب خواطر و مقالات اجتماعية حتي اشغل وقتي ..ولكن غالبية الوقت كنت افكر في ليلي ، دائما ما تكون ونيستي في وحدتي مثل ذلك الوقت ، كنت دائما اخرج صورتها واتأمل فيها لساعات ..كنت اتذكر خلالها مواقف بيننا ، وكنت بين الحين و الاخر اقرأ جوابها الوحيد لي ، ذلك الجواب الذي كتبته عندما كنا في الثالثة عشر من عمرنا .
( ابن عمي (فؤاد) بالطبع انت تتعجب من فعلتي هذه ، لماذا ارسل لك جواب ونحن في عماره واحده ، ونقضي كل الايام سويا ، انا فعلت ذلك لأنني لن اقدر علي قول تلك الكلمات امامك ، لذلك اعطيتك ذلك الجواب و هربت مسرعة الي منزلي ، انا احبك اكثر من اي شيء في حياتي ، احبك اكثر من عدد النجوم ، احبك اكثر من كل شيء واي شيء) .
وصلت الي بولندا ، وفرت لي الجريدة سكن مع اثني عشر شخص اخر ، صحفيين ايضا ، من جميع انحاء العالم ، جأو الي هنا لنفس السبب الذي جأت اليه ، كانت الحياة صعبه في بولندا ، كنت ارسل الاخبار للجريدة عن طريق الجوابات ، كان قد مر ثلاثة اشهر عندما ارسلت لي ليلي اول جواب ، اخبرتني كم هي اشتاقت الي ، كم لا تستطيع مواجهه الحياه من دوني ، بالرغم من حزني لاشتياقي لها ، الا انني سعدت بعض الشيء ، لأنني تأكدت انها لا تستطيع العيش بدوني و تأكدت ايضا انني لا استطيع العيش بدونها ، دخلت غرفتي علي الفور و كتبت رد علي ذلك الجواب و ارسلته لها .
مر عام كامل علي في بولندا ، مع كل يوم كان يمر كانت تزداد خبرتي اكثر ، ولكن ايضا كان يزداد اشتياقي لليلي ، بعد ذلك العام ارسلت لي الجريدة انني قمت بمهمتي و يجب علي الرجوع الي مصر .
وصلت الي القاهرة دون اخبار احد ، اردت ان تكون مفاجأة كما يفعل كل مغترب ، وصلت للعمارة ، صعدت لمنزل ليلي في البداية ، اردت ان اراها قبل اي احد ، حتي قبل امي ، طرقت الباب ، لحظات ثم فتح….
نسخه اخرى مني …نسخه اخرى هي من فتحت لي ….نفس الشكل …نفس الملامح …نفس نظرة العين ، كأني اقف امام مرأه ، شعرت بمشاعر لا يمكن وصفها ، تجمدت مكاني ، تحولت الي صنم ..لا يتكلم ولا يتحرك .
الغريب انه اصيب بالدهشة مثلي تماما ابتلع ريقه و اردف : من ان…
قطعته صرخة ليلي التي جاءت من خلفه و رأتني … معها حق ..انها رأت نسختين من نفس الرجل ينظران الي بعض ، اثارت صرختها ، شهوه عباس الفضولية …وخرج لكي يعرف ماذا يحدث بالخارج ، ولكن من حسن الحظ كانت الخمرة تفقده وعيه كعادته .
غلبته الدهشة بضع ثواني و اخذت عيناه في التوسع حتي استحوذت علي نصف وجهه ثم اردف وهو يمسك زجاجه من الخمر و يشير اليها : لقد تأكدت ان ذلك (الكونياك) ليس مغشوش.
فقدت السيطرة علي جسدي ، لم اشعر بنفسي الا وانا اركض تارك ذلك المشهد العبثي علي ذلك الحال .
استمريت في الركض ، حتي وصلت الي قهوة (ليالينا) ، كنت سوف استمر في الركض ..ولكني رأيت توفيق جالس عليها بمفرده ، ذهبت اليه ، لم اعرف لماذا ولكني ذهبت ، كان وجهي شاحب و مخطوف نتيجة ما تعرضت اليه ، عندما رأني توفيق ظهرت عليه علامات الاستغراب و اردف : لماذا وجهك هكذا ..هل سرقت.!
لم اجيبه و جلست التقط انفاسي ، مد يده بكوب من الماء واردف : ماذا حل بك ؟
– متي اخر مره رأيتني فيها ؟
– حوالي منذ خمسه اشهر.. لماذا؟
وقعت الإجابة علي كالصاعقة ، كانت صدمه اخري بالنسبة لي ، كنت علي امل ان ما حدث في عمارتي مجرد هلاوس ، ولكن من الواضح انه حقيقه .
قصصت عليه كل شيء ، ما حدث لي في بولندا ، وما رأيته في عمارتي .
نظرات الرعب كانت واضحه في أعينه ، استوعب الصدمات التي قولتها له ورد : كيف .. انت لم تسافر .. انت جئت في اليوم التالي وقلت لنا بأنك لا تستطيع ترك ليلي ..وقلت انك استقلت من الجريدة…و انكم سوف تقيموا الفرح في ميعاده ..وذلك ما حدث .
بدأت الدموع تخرج من عيني : لم اكن انا ..ذلك مسخ ..ذلك شيطان ..لم اعرف من اين جاء ولا اعرف لماذا ..ولكن ما اعرفه انني خسرت كل شيء ..ذلك المسخ سرق حياتي و سرق ليلي …ولكن كيف لم تلاحظوا بأنه ليس انا ..كيف استطاع ذلك المسخ في خداعك ..و خداع ليلي ..و خداع امي .
بنبره منخفضه : لقد ماتت امك بعد الفرح بيومين .
كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير ..و أعطت الإشارة للدموع بأن تحتل وجهي و زاد جهد الكلام في الخروج : من المؤكد انها كشفته ..واضطر لقتلها .
لم يجد كلام يقوله ، تابعت كلامي : الم تلاحظوا عليه اي شيء مختلف .
– لا ..انه يمثل دورك ببراعة.
بدأ وجهه في اخراج نظرات شك ، لن الومه ، فأني لو كنت مكانه ..سوف اشك ايضا .هم سوف يعتقدون بأنني المسخ ، هم سوف يروني بأنني من جأت لسرقه حياه ( فؤاد) المسكين الذي ضحى بعمله و تزوج ليلي .
ولكن انا اعرف توفيق ، واعرف كيف اجعله يساعدني .
اخرجت (الف جنيه ) من حقيبة ملابسي و مدت يدي بهم ، اختفت نظرات الشك و تبدلت بنظرات سعادة ..وظهرت نصف ابتسامه علي وجهه ، واخذهم علي الفور و اردف : من اين نبدأ ..لنستعيد حياتك .
– لماذا لم تقابله منذ خمسه اشهر .
– هو من كان يرفض مقابلتي .. بعد الزواج نجحت ليلي في مطلبها التي كانت تطلبه منك ..وجعلته يقطع علاقته بي .
انا اعلم انه بنسبه كبيره لم يصدقني ، ولكنه سوف يساعدني خصوصا بعدما تخلى ذلك المسخ عنه .
كانت تدور في رأسي افكار كثيره ، و مشاعر متضاربة و مختلفة ، مشاعر حزن لفقدان ليلي و تزوجها من شخص اخر غيري ..و فقدان امي للأبد ، ممزوجة بمشاعر انتقام ..من ذلك المسخ الذي سرق حياتي و ليلي و قتل امي.
استقل (توفيق) عن اهله ، اصبح يعيش بشقه بمفرده ، اشترها من مال التجسس ، اخذني لكي ابيت معه ..لأني لا املك اي مكان اخر للمبيت .
في اليوم التالي ، جعلت ( توفيق ) يراقب العمارة و ينتظر حتي يخرج ذلك المسخ ثم يذهب الي ليلي و يحكي لها ما حدث ، و يحاول اقناعها بضرورة ان اقابلها ونكون وحدنا ، وافقت بعد مجهود كبير من توفيق ، خصوصا انه امرها الا تخبر زوجها ، وافقت علي نصف ساعه فقط في اي مكان عام ، اظن ان الفضول هو من جعلها توافق ، الفضول في ان ترى ذلك المسخ الذي يشبه زوجها مره اخري ، و تسمع صوته .
التقينا في ( كازينو ) علي النيل ، لم اصدق نفسي عندما رأيتها تدخل علي ، و تجلس امامي ، ظننت انها عادت لي مره اخرى ، ولكن اختفي ذلك الاحساس حين رأيت نظرات الحده و الغضب التي كانت واضحه علي وجهها ، ولكن تلك النظرات لم تمنعها من التدقيق بشده في وجهي ، كانت تبحث عن اي ثغره تثبت بها انني لست (فؤاد ) الحقيقي.
لم تتغير ، وشعوري تجاهها ايضا لم يتغير ، ما زلت اشعر بذلك الخجل عند رؤيتها ، ولكن تلك المره كان الخجل يصاحبه حزن وقله حيله و ايمان مني بأنني سأفشل في اقناعها ..واستعادتها .
لم تردف حرف منذ جلوسها ، اقتحمت ذلك الصمت واردفت : حكى لكي (توفيق) ما حدث ..اليس كذلك ؟
ردت و نظرات الغضب لم تهتز بعد سماع صوتي : نعم ..ولم اصدق .
– ولماذا جئتي اذا ؟
– لكي انهي ذلك العبث .. واعرف من انت ولماذا جأت .
– انت تعرفيني جيدا ..انا (فؤاد) حبيب…
قاطعتني بنبره عالية : انت لست ( فؤاد ) ..انت شيء لا اعرفه ..انا لا اعرف ان كنت انسان ام لا .. ولكن ما اعرفه جيدا ..انك لست (فؤاد) .
اخرجت الجواب الذي ارسلته الي : ذلك الجواب انت أرسلته الي وانا في بولندا .
– انا لم اكتب شيء .
وضعته امامها علي الطاولة : اقرأيه ..انه بخطك .
قرأته ثم اردفت باستهزاء : انت استطعت ان تقلد شكل و صوت زوجي ..بالطبع سوف تستطيع تقليد خطي .
لم اعرف ماذا اقول لها ..فهي مقتنعة بأنني مجرد مسخ جئت لكي اسرق حياه زوجها .
قلت لنفسي اذا هي الطريقة التقليدية .
– حسنا يا (ليلي) اسأليني اي سؤال لا يعرف اجابته سوى انا وانت فقط .
ضحكت مستهزأه مما اقوله : حسنا .
ثم اردفت علي بعض الاسئلة ، واجبت عنها اجابه نموذجية ، ذلك اثار دهشتها ولكن لم ينجح في اقناعها ، فأنا بالنسبة اليها شبح استطيع فعل ومعرفه اي شيء .
بعد ان انتهينا من تلك الفقرة التي تأتي في اي فيلم رخيص ، اخرجت ساعه ابي من جيبي لكي ارى كم الوقت المتبقي من النصف ساعه ، ولكن حين اخرجتها نظرت اليها بدهشه شديده واردفت : من اين جأت بهذه الساعة .
– انها ساعه ابي ..انت تعرفيها جيدا ..انها لا تفارقني ابدا .
مازالت تنظر الي الساعة بتدقيق شديد جدا ..كأنها كانت تتأكد من شيء ما .
بدهشه : ماذا حل بكي ؟
– لا شيء ..لا شيء.
– امازلتي مع كل تلك الاسئلة ..لا تصدقيني .
استعاده نظرات الغضب و الحده : نعم .. لا اصدقك ..وحتي ان كنت صادق ..فأنا لا اريدك ..لا اريد تلك النسخة التي تخلت عني و سافرت .. انا اريد ان ابقي مع النسخة التي تمسكت بي و تزوجتني .
وقفت مغادره ..ثم قلت اخر سؤال : لماذا لم تنجبوا حتي الان ؟
سرحت قليلا ..كأنها فكرت في شيء ما ..ولكن استعاده غضبها واردفت : ليس من شأنك .
القتها ورحلت .
جلست وحدي افكر ماذا سوف افعل ، سرعان ما حسمت قراري ، وذهبت الي (توفيق) في القهوة لكي اخبره به .
– سوف اسافر ..خارج مصر ..لكي ابدأ حياتي الجديدة ..بدلا من تلك الحياه التي سرقت مني .
– سوف تتركه ..بعدما اخذ حبيبتك و قتل امك ..تريد ان تهرب لأنك جبان و ضعيف ..لا تستطيع مواجهته .. أتظن انك اذا سافرت سوف تنسى..لا..لن تنسى شيء ..بل سوف تقضي كل وقتك تفكر في ليلي وامك .
– انني فشلت في اقناعها ..ذلك المسخ نجح في جعلها لا تراني ..ولا تشعر بي .. انها تعتبرني سارق..شبح ..شيطان جاء ليدمر حياتها ..اذا كيف سوف اقنعها .
– حتما ستقتنع ..حتما لاحظت اخطاء في ذلك المسخ ..ان الموضوع لا يعنيني ..ولكني اشفق عليك ..السفر ليس حل ..لن تنسى .
كان كلام (توفيق ) كافي بالنسبة لي لكي اغير قراري ..في الواقع انا كنت اتعلق بأي شيء.. بأي امل .. حتي اظل في مصر واسترجع ما سرق مني .
في اليوم التالي قررت ان اراقب (ليلي) بنفسي ..في الواقع كنت اريد رؤيتها ليس اكثر ..كنت اريد رؤيتها وهي تمارس حياتها بطبيعية ..كنت اريد ان ارى وجهها الطبيعي ..بدل من وجه الغضب التي كانت ترسمه امامي .. لكن لم اكن مستمتعا ..كانت الحصرة تملئني .
قررت انا و (توفيق) ان نذهب مساء ذلك اليوم الي منزلهم ..و نحاول جاهدين ان نكشف الحقيقة و نكشف ذلك المسخ.
طرقنا الباب و فتح لنا ذلك المسخ ، كان (توفيق) في المقدمة وانا خلفه ، بمجرد ان فتح الباب ..دفعه (توفيق) ودخلنا ، ثم اغلقت الباب ، اردف المسخ و هو ينظر لي : من انت..ولماذا جئت مره اخرى..ولماذا انت معه يا توفيق
كان يقف امامنا و خلفه ليلي تحتمي بظهره ، اردفت بنبره خشنة و مرتفعة : انا جئت لكي انهي تلك اللعبة ..ولأستعيد ..ما سرقته مني ..انا الذي من المفترض ان يسألك ذلك السؤال ..من انت ..ولماذا جئت اخرج من جيبه (مسدس) ..تبا ما الذي يجعل ذلك الرجل يحمل مسدس في جيبه و هو جالس في منزله ..من الواضح انه كان مستعد لي ..و متنبأ بمجيئي ، اخرجه واردف : اذا لم تخرجوا سوف اقتلكم .
اثرت تلك الجملة في (توفيق) دب الرعب في قلبه .
ولكن انا لم اهتم ..ونظرت في أعين (ليلي) و قلت : كيف لا تصدقيني ..كيف لا تعرفي من اللحظة الاولي انني (فؤاد) ..كيف لم تشعري بي ..كيف عشتي مع ذلك المسخ كل هذا الوقت .
قطعني صوته المرتفع : اخرج من منزلي .
مسك توفيق يدي وبدأ في التراجع .. اشاره منه اننا يجب ان ننسحب فورا ، نظرت الي ليلي و عيناها غارقه في الدموع : اخرج…اخرج .
شعرت من نبره صوتها انها خائفة علي ..خائفة من ان يطلق ذلك المسخ الرصاص علي ..لا اعرف لماذا شعرت كذلك ..ولكني كنت علي امل اي نظره شفقه منها . استجبت لأشاره (توفيق) و بدأت في الرجوع معه الي الباب .
اثناء خروجنا اردف ذلك المسخ : اذا رأيتكم مره اخري سوف اقتلكم .
تلك النظرة التي كانت تعبر عن خوفها علي ..لم تفارق ذهني قد ..تعلقت بها واتخذتها سبب ليتجدد الامل داخلي .
ذهبت في اليوم التالي للجريدة بعدما استدعوني اكثر من مره وانا في شقه (توفيق) ، ذهبت لكي اقدم علي اجازه بدون مرتب ..اجازه حتي ينتهي ذلك الكابوس .
عندما عدت و عاد (توفيق) هو الاخر من عمله ، اخبرني بأن ذلك المسخ اتى اليه في القهوة ..و هدده بأنه سوف يقتله هو و عائلته اذا استمر في مساعدتي .
اردفت بعدما قص علي ما قاله له ذلك المسخ : ماذا سوف تفعل يا (توفيق) ..هل ستستمر في مساعدتي ..ام لا .
– انت تعرف الإجابة..اعذرني ..انا ليس بيدي شيء..إن جاء لك شيطان وهددك ..ماذا سوف تفعل .
– انا افهم قصدك ..وافهم خوفك علي نفسك وعلي عائلتك ..وانا بالطبع لا اريد ان اكون خطر عليكم .
القيت تلك الجملة و بدأت في جمع اغراضي .
نزلت من عند (توفيق) وانا في ذهني قرار واحد ..اما ان استعيد حياتي او اموت .
ذهبت الي منزلهم و كسرت الباب مباشرة ، رأيته امامي ، بدأت في لكمه دون ان اشعر ..ولكنه كان اقوي مني ..اوقعني علي الارض .. و بدأ في لكم وجهي ، كان يتبقى دقيقه واعجز عن تحمل باقي اللكمات .
كان مسدسه بالداخل في غرفه نومه ، حيث كانت ليلي ايضا ، استمر في لكمي دون توقف ..حتي خرجت ليلي من الغرفة حامله المسدس و صوبته علينا ..توقف عن لكمي ووقف ..وانا ما زلت ملقى علي الارض عاجز عن الوقوف ..ومد يده اليها في اشاره حتي تعطيه المسدس ..ولكنها صوبته نحوه و اطلقت ..قتلته ، ثم رقعت علي الارض منهارة و باكيه و تنظر لي : ساعه ابيك ..عندما عاد لم تكن معه ..سألته عنها ..وقال انها ضاعت .. بالإضافة الي موت والدتك المفاجئ بعد شجار بينهم ..و تركه للصحافة بسهولة وانا اعلم انه من المستحيل ان تتركها ..واننا لم ننجب حتي الان بالرغم من عدم مرضي او مرضه ..بالإضافة الي شعوري بك ..لم اشعر في اي لحظه انك لست “فؤاد” ..ولكن ما اتعجب منه انني لم اشعر ابدا انه مسخ وليس انت .
اقتربت منها ..و ضمتها بين ضلوعي .
تخلصت انا و (توفيق) من الجثة ، و تزوجنا انا و (ليلي) و استكملت عملي بالجريدة.
بعد شهرين من زواجنا ، جاء عيد ميلادي ، ارادت ليلي ان تفاجئني في مكان عملي ..في الجريدة .
ولكنها لم تجدني ..واخبرها رئيس التحرير ان الصحفي الذي كان يعمل هنا و يدعى (فؤاد حسين فريد) استقال منذ عام تقريبا بعدما رفض السفر الي بولندا ..وانهم لم يرسلوا اي صحفي اخر الي هناك …