قصص وروايات

قصة خطة قدر

جدول المحتويات

خطة قدر

للكاتبة/  سلمى احمد محمد

العمر:٢١ عام، طالبة بالفرقة الرابعة ،كلية التربية قسم لغة إنجليزية جامعة السويس، من محافظة السويس

نَص القصة

شتاء يناير ٢٠٢١

مقالات ذات صلة

يقف صف هائل من العاملين ،الكثير والكثير من الشباب ،يحتلون المقاعد ،يغلف المكان أجواء التوتر ،اذا انتبهت الي ملامح الجالسين تجدهم وقد بدت عليهم كل ملامح الحيرة والقلق والخوف بينما يتطلعون الي الاوراق التي يحملونها و ترتجف إيديهم وهم ينظرون إلي الوقت بينما يمر ببطء شديد وكأن عقارب الساعة تتعارك مع بعضها لتمر الدقائق ..هكذا كان الوضع في أحدى الشركات الكبرى التي اعلنت عن أحدى الوظائف الشاغرة ..

بين تلك الوفود كانت هدى تجلس شاردة الذهن تفكر في مصيرها هي الأخرى فقد مرت بهذا الموقف مرات متكررة ،ربما كان المختلف في كل مرة لون الكرسي الذي تجلس عليه والمكان الذي تجلس فيه ،حيث أنها تقدمت الي العمل بتلك الشركة مرات عديدة وفي كل مرة تزيد من مهاراتها لتتلائم أكثر مع الوظيفة ،وقد عاهدت نفسها على أن تكون تلك المحاولة الأخيرة ،بالنسبة لها كانت تلك الوظيفة هاجسها الوحيد أثناء المرحلة الجامعية ،كانت تكرس كل جهودها واهدافها لتنضم لتلك الشركة .

افاقت هدى على صوت أحد الموظفين معلناً أنه قد جاء دورها ..هدى عبدالمغني ..انسة هدى اتفضلي ..وقفت هدى في توتر ،اخذت يديها في الارتجاف مما جعل الملف الذي كانت تحمله يسقط على الأرض مما لفت أنظار الجميع ،اخذت تلتقط أنفاسها وتتظاهر بالثبات ثم حملت الملف و دخلت الي المكتب حيث المقابلة :

أخذت تنظر الي ملامح اللجنة المقيمة بنظرة قلق ،ثلات اشخاص يجلسون أمامها بشكل مهيب وقد بدا عليهم الجدية الشديدة وكأن المشاعر الإنسانية قد نزعت منهم ،يرتدون الملابس الرسمية الأنيقة ،قال أحدهم بثقة قاطعاً الهدوء المميت : انسة هدى ،اتفضلي اقعدي ..كان المتحدث رجل هاديء تبدو على تجاعيده أنه في أوائل الخمسينات ،يرتدي بدلة أنيقة تضفي عليه لمسة كلاسيكية ،نظرت هدى للكرسي الموجود في منتصف الغرفة وأدركت بمنتهى السرعة أن الهدف من وضع الكرسي في تلك البقعة بالتحديد هو حيلة ذكية ليتمكنوا من دراسة لغة جسدها ومدى توافق ما تقوله مع ما يصدره جسدها من استجابات ..حيلة معروفة جدا في مقابلات التوظيف في الشركات الكبرى ،جلست هدى في هدوء بعد أن تركت ملفها على المكتب أمامهم ،شردت هدى لثوانٍ وهي تفكر بأن ذاك المشهد يذكرها باللقطات التي تظهر في الافلام ،عندما تقبض الشرطة العسكرية على أحد الإرهابيين مثيرين الجدل حول العالم يالا السخرية ،صمتت هدى بكل هدوء حيث بدأ الرجل الخمسيني يعرف نفسه قائلاً أنا اكرم الورداني نائب مدير الشركة ،ثم ردت الأمرأة الجالسة بجانبه وقد ظهرت عليها الجدية والعمق ترتدي نظارة تمنحها عمر اكبر من عمرها الاصلي ،ثلاثينية تبدو :أنا أمل يوسف ،مديرة الاتش أر في الشركة ،ثم ردد الاخير وهو عابس الوجه ويكثر من تحريك رابطة عنقه قائلاً بلا أكتراث : أنا ايمن نور الدين ،المدير المالي.

أمل : عرفي نفسك

هدى بثقة مزيفة : اسمي هدى عبد المغني ،عندي ٢٦ سنة ،خريجة كلية تجارة جامعة القاهرة و و…و ،ارتبكت هدى وتوقفت فجأة.

أمل بحزم : تقدري تضيفي ايه للشركة بتاعتنا ؟.

هدى : انا اخدت كورسات كتير جدا معتمدة من جهات حكومية وخاصة في المحاسبة وعندي خبرة في الشئون القانونية والتعامل مع البنوك واتمنى اضيف للشركة واستفاد كمان بوجودي هنا واخد خبرات اكتر

استمرت المقابلة لمدة ٣٠ دقيقة حتى صمتت أمل مديرة الاتش أر فجأة واخبرت هدى بنبرة حادة : شكرا هنبقى نتصل بيكي ونبلغك بأذن الله ..all the best

خرجت هدى من المكتب في حالة لا يرثى لها ،قلبها يخفق بشدة تحاول كتم البكاء حاملة معها حقيبتها وملفها الخاص ،خرجت مسرعة تستنشق الهواء ،أخذت تنظر الي الناس في الطريق والي صوت السيارات والضجيج و تفكر في مصيرها المبهم الذي يشعرها بالتمزق إن حدث و رفضت في تلك المرة أيضاً ،محاربة فكرة أن حلمها بالانضمام الي تلك الشركة من الممكن أن ينتهي بعد كل هذا السعي والمحاولات ،كيف لكل ذاك التعب أن ينم عن لا شيء ،هل من الممكن أن تكون أفنت السنوات السابقة تجري نحو سراب،مؤسف هو حال الأشخاص الذين يعلقون كل سعادتهم في الحياة على حدث واحد ،إن حدث يفتحون أزرعهم للحياة وإن لم يحدث يعيشون كالاموات ، اوقفت أحدى سيارات الأجرة لتتوجه نحو المنزل .

                                       في المنزل

فتحت هدى باب المنزل والجميع يلتفون حول مائدة الطعام ،أخذت تنظر إليهم الواحد تلو الآخر ،تفكر من منهم ترتمي بين زراعيه وتبكي ،أهي أمها التي لطلاما عارضت حلمها في العمل من الأساس وتجد أن من الأفضل لها أن تتابع ترتيبات زواجها لتتزوج في وقت قريب فقد مضى على خطبتها ما يقترب نحو العامين ؛غير مدركة أن تلك الوظيفة هي شغفها الوحيد في الحياة ،أم أبيها الذي يحمل من الأثقال ما يغنيه عن تحمل المزيد من الخيبات ،أم أخيها ذاك الملاك الصغير الذي لم ينضج بعد ولم يواجه قط سكاكين الحياة الحادة ،تلك التي تقطع أحلام الجميع الي أشلاء ،أتكون أخته الكبرى مسئولة عن إفساد نظرته البريئة للحياة مبكراً،في النهاية قررت هدى التمساك والتظاهر باللا شيء الي أن تدخل بسلام لغرفتها حيث ترقد جميع أحزانها هناك .

 قال ابيها بوجه بشوش:ها طمنيني عملتي ايه ؟!

نظرت له هدى بإحباط لا تدرك ما تقوله

فقاطعت الام الصمت : تعالي بس كلي انتي اكيد جعانة وأما نخلص أكل نشوف انتي عملتي ايه

أجابت هدى بصوت منبوح : معلش يا ماما أنا مش عايزة اكل ،مليش نفس، هدخل اريح واما اصحى هاكل.

وفرت مسرعة الي غرفتها گأنها تتحاشى النظر إليهم أو بالأحرى لا تريد أن تقابل الخيبة في أعينهم .

نظر حازم أخيها الصغير لوالديه ثم تسائل: هي هدى مالها يا بابا ؟

رد الاب بود: معلش سيبها ،هتبقى كويسة ثم وجه الاب حديثه نحو الجميع كملوا انتو اكلكوا وانا هدخل اشوفها .

شاهد:رواية للعشق أسياد

دخلت هدى الي غرفتها غير قادرة على حمل نفسها وكأن أرجلها تريد الفرار من تلك اللحظة ،القت الملف بعيداً على الأرض فتطايرت كل الاوراق في كل مكان بالغرفة وأرتمت بجسدها على الفراش حيث أخذت تحتضن وسادتها وتبكي بيأس وكأن الحياة صفعت أحلامها بقوة فتمزقت.

طرق الاب باب غرفة ابنته فتنهدت قبل أن ترد بصوت ضعيف : اتفضل .

دخل الاب وجلس الي جانب ابنته وقد تورمت عينيها من البكاء ،فقال بفزع : مالك ايه اللي حصل ،ماتقبلتيش في الشغل صح !!؟

أخذت هدى معلقة بصرها على والدها متحدثة بصوت هزيل : مش عارفة يا بابا لسة مردوش عليا بس كان باين من طريقتهم اني هترفض .ثم أكملت بيأس : أو اترفضت خلاص .

الاب :بصي يا بنتي انتظار البلاء أشد من وقوعه ،متفرضيش حاجة قبل ما تحصل ،يمكن اللي خايفة منه ميحصلش ،وحتى لو حصل ربنا مع البلاء بينزل رحمته يا بنتي ،متفكريش كتير ،دي مجرد وظيفة ،شغل ،ودي مش اول ولا اخر شركة يعني .أنتي شرف لأي مكان تروحيه

هدى وقد تركت العنان لأنهيارها :مجرد وظيفة ؟! لا يا بابا دي مش مجرد وظيفة ،دي حلمي اللي محلمتش غيره من اول سنة في الكلية دي ،الكلية اللي اصلا انا مكنتش عايزة أدخلها ولا مخططة لكدة، كان حلمي ادخل هندسة ولما جه نصيبي في تجارة انا كرهت حياتي بس بعد اول سنة لما قريت عن الشركة دي اتكونت في دماغي صورة وظيفة الاحلام ،بابا ده كان حلمي الوحيد ،يعني معقول خطتي في اني ادخل هندسة مظبطش وكمان خطتي اللي صبرتني على الكلية دي كمان متظبطش .

نظر الاب لأبنته في صمت فأكملت والدموع تفر من عينيها : يا بابا انا كان البنات في الكلية كل همهم اللبس والخروج وانا كنت حارمة نفسي من كل حاجة علشان اوفر وقتي للمذاكرة والكورسات والتدريبات وبس ،مكانش عندي وقت اهزر وانبسط حتى .

رد الاب برضا: يا بنتي باذن الله لو الوظيفة دي خير ليكي هيتوافق عليكي ولو لا يبقى خلاص خيرها في غيرها.

هدى وقد وقفت من مكانها : بص كدة يا بابا بص على الحيطة شايف الورق ده ،ده كل تفصيلة عن الشركة دي ،عن الوظيفة اللي نفسي فيها ،من اول المميزات للثغرات الموجودة في الإدارة ،حتى المهارات اللي هما محتاجينها ،كل ده ،كل ده ،انا كنت كاتبة كل ده وحطاه قدامي ..كنت مذاكرة كل حاجة ،وحطيت كل جهدي في الحلم ده مش في حاجة غيره..يروح كدة ؟! ،كل الخطط اللي رسمتها عادي كدة متتحقش؟!

الاب بأنزعاج: انتي عمالة تقولي خطتي ،خطتي ،وكنت مخططة ،ونسيتي أنها عمرها ما كانت بأيدينا ولا بخططنا ،النصيب والأرزاق على الله ،خليكي عارفة ديماً أن ساعات القدر بيبقى ليه خطط مختلفة خالص لينا وبتبقى أحسن من اللي أحنا عايزنها كمان،أحنا بس اللي مش عندنا البصيرة اللي تخيلنا نستوعب ديماً الخير اللي ورا الأقدار سواء بالمنح أو بالمنع ،مبنبقاش شايفين غير أن من حقنا ناخد اللي عايزينه من غير ما نفكر في الشر اللي ممكن يكون في الحاجة دي ،عايزين كل حاجة تيجي سهلة من غير صعوبات،والدنيا مبتمشيش كدة ،اللي بأيدينا هو السعي وبس يا بنتي ،هو مين بس يعرف الخير فين!!

هدى بنفاذ صبر :وليه ميبقاش حلمي ده خير ،ما انا سعيت وعملت اللي عليا وخدت بالاسباب ،ايه اللي هيحصل في الدنيا لو كنت اشتغلت هناك ؟!

الاب مشفقاً على حالة ابنته : يا بنتي وحدي الله ،انتي يمكن سعيتي وخدتي بالاسباب ،بس مش مقتنعة بالنصيب ،مش راضية برزقك يا بنتي ،ايوة ممكن الشغلانة دي متكونش خير ليكي ،متكونش مقسومة ليكي ومقسومة لحد تاني.

هدى :يعني اعمل ايه دلوقتي يا بابا بعد الوقت والمجهود ده كله ،انا حاسة اني مش شايفة قدامي مش عارفة افكر ،انا انا مكانش عندي حلم غير ده بقالي أكتر من خمس سنين ،خمس سنين مفكرتش في حاجة تانية ،المفروض اعمل أيه دلوقتي ؟!

الاب بوجه راضٍ:تسبيها على ربنا ،لو ردوا واتقبلتي خير ،ولو ردوا واترفضتي خير برده و متزعليش أبداً وتستقبلي قدرك بقلب مؤمن راضي وتفهمي أنه مش رزقك وكان شر وربنا صرفه عنك ،هو ربنا هيعز علينا الخير يا بنتي!! ..

ثم أكمل محاولاً تغيير مجرى الحديث ،قومي بس اغسلي وشك وتعالي نتغدى ،هو الاكل معجبنيش بس معلش لازم ناكل ونطيب خاطر امك بكلمتين .

ابتسمت هدى ابتسامة منكسرة مجيبة: حاضر يا بابا روح حضرتك كمل أكلك وانا جاية وراك.

               بعد مرور أسبوع

بينما كانت تجلس هدى مشاهدة التلفاز،و تقوم بتغيير القنوات بلا اكتراث ،وتجلس الي جانبها والدتها حيث تقوم بتقطيع بعض الفاكهة لها ولابنتها ؛حتى جائت رسالة من هاتف هدى غيرت المشهد تماماً،حملت هدى هاتفها وهي ترتجف ونظرت الي الرسالة المرسلة اليها عبر البريد الالكتروني الخاص بها ،كانت رسالة من الشركة التي تقدمت إليها ،محتواها أنه لم يتم قبولها في تلك الوظيفة ،وضعت هدى الهاتف بجانبها في يأس .

نظرت لها والدتها مرددة :ايه اللي قلب وشك كدة ؟

هدى محاولة الاستهزاء بالموقف : مفيش حاجة يا ماما اترفضت في الوظيفة بس.

الام : ولا يهمك ربنا يكتبلك الخير في غيرها يا حبيبتي.

نهضت هدى ذاهبة الي والدها لتجده يحمل مصحفه ويهم بالقراءة

هدى وعينيها ممتلئة بالدموع : خلاص يا بابا ردوا عليا وقالولي اني اترفضت .

الاب : ولا تزعلي نفسك ،انتي عملتي اللي عليكي كله ،وسيبك من فكرة الخطط دي يا بنتي ،خليكي عارفة ديماً أن خطتنا لنفسنا حاجة وتدبير ربنا لينا حاجة تانية خالص ..والله يعلم وانتم لا تعلمون .

هدى بصوت مكتوم : معاك حق يا بابا.

الاب : امال ايه اخبار المحروس خطيبك ؟!

نظرت له هدى :اهو يا بابا مامته تعبانة فعايزة انزل اروح اطمن عليها .

الاب : ماشي روحي ، اما نشوف اخرتها معاه ايه !!

غادرت هدى المنزل وقد بدى على ملامحها فقدان الشغف ،أوقفها صوت هاتفها يرن،كان هو ،من تحاول الهرب منه ،غير مصدقة أن مشأعر الإنسان يمكن أن تتغير بتلك السهولة ،وأن الشخص التي كانت تنتظر مكالماته هو الآن الشخص ذاته الذي تحاول الهرب من محادثته،أنه حاتم

هدى: أيوة يا حاتم انت عامل ايه ،اتصلت بيك كتير وانت مش بترد

حاتم ببرود اعصاب : عادي يعني محصلش حاجة كان ورايا شغل ،ايه الصوت ده انتي في الشارع ؟

هدى : اها ؛ رايحة اطمن على مامتك

حاتم : ومقولتليش ليه ؟!

هدى وهي على ثقة أن سؤال حاتم ليس بدافع القلق والاطمئنان بل مجرد تحكمات شكلية ليس إلا ارضائاً لرجولته: انت مكنتش بترد .

شردت هدى تحدث نفسها ،اقوله دلوقتي ولا وقت تاني

حاتم : انا لازم اقفل دلوقتي هكلمك تاني سلام

هدأت هدى للحظات محدثة نفسها حتى لو مفيش فرصة دلوقتي ،جه الوقت اللي لازم اخد الخطوة دي فيه .

قطع شرود هدى رؤية أمرأة عجوز يبدو على ملامحها التعب والاجهاد ،تلتف حولها كأنها تبحث عن مكان ما ،فأسرعت إليها هدى ..

هدى :حضرتك كويسة ؟

العجوز: أيوة يا بنتي انا كويسة ،انا بس بدور على العنوان ده والعمارات كلها شبه بعض ،مش عارفة بقى

هدى :وريني كدة حضرتك ،ايوة ده قريب من هنا ،انا ممكن اوصلك .

العجوز:يا ريت يا بنتي تسلميلي

أخذت هدى العجوز وبدأت في السير معاها الي العنوان المنشود .

هدى :هو حضرتك رايحة لمين ؟

العجوز: ده ابني ،هو من دورك كدة ،لسة شاب صغير يعني ،فتح مكتب هنا علشان شغله ،وهو اداني العنوان ده ،حبيت اعمله مفاجأة وأشوفه .

هدى :ربنا يخليهولك ..احنا وصلنا اهو ،تحبي اطلعك السلم ؟!

العجوز: استني هكلمه وينزلنا ،انا مش عارفة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!