ما حكم تتبع عورات المسلمين ؟

تتبع عورات المسلمين؟ إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، وعدم استقرار الإيمان في قلب العبد. وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن تتبع عورات المسلمين، وأمرنا بستر بعضنا البعض سلمنا الله وإياكم من هذه الصفة.
شرح معنى تتبع عورات المسلمين
معنى تتبع عورات المسلمين هو :التفتيش عن عثرات وزلات عباد الله المؤمنين وتتبع عوراتهم، وكشف المستور من عيوبهم، والخوض في اعراضهم، وذكرهم بما يكرهون في المجالس، وهتك سترهم المغطى.
وتعد هذه الصفة خلق مذموم. وطبع مرذول، ودليل على ضعف إيمان في ضعف في قلب هذا المسلم.
ناهيك عن فضح صاحب العيب بين العباد، وإشاعة معصيته عبر مجالس المسلمين. او من خلال مكالماته الهاتفية.
وذكر ما فيهم من عيوب، ومساوئ، وايضا ذكرهم بمساوئ وصفات مكروهة وهي ليست فيهم، والسخرية والاستهزاء بهم فقط لمجاراة جلساؤهم في المجلس.
النهي والتحذير من تتبع عورات المسلمين
نهانا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن تتبع عورات المسلمين في قوله تعالى:
” ولا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ” [الحجرات: 12
وقوله سبحانه” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”[النور: 19]
” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ “[النور: 14، 15].
هذه الآيات الكريمة من القرآن الكريم فيها من النهي والزجر الشديدين من الله سبحانه وتعالى عن تتبع عورات المسلمين والنهي عن التجسس، الغيبة.
بل وشبههم بأكل لحم المسلم ميتا، ونهى الله سبحانه وتعالى من إشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
وهذه الآيات الكريمة كافية لنا بمحاسبة أنفسنا بما نفعل من معصية الله سبحانه وتعالى في تتبع عورات المسلمين ومن الغيبة والتجسس، وإشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا، والتوبة منها إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تتبع عورات المسلمين في الحديث الشريف بقوله “يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه”.
الراوي : أبو برزة الأسلمي والبراء بن عازب.
شرح الحديث:
في قول النبي صلى الله عليه وسلم يا” معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان الى قلبه” في هذا نداء للتحذير. لأن الإيمان يجب أن يكون بالجوارح بعد ان يصدقه القلب ويستقر فيه فتكون الأعمال والأفعال والاستجابة للأوامر والنواهي دليل على التصديق. فالإيمان استقرار في القلب وتصديق بالعمل والقول.
وقوله صلى الله عليه وسلم ولا تغتابوا المسلمين” فيه نهي بعدم ذكرهم في غيبتهم بما يسوئهم وقوله صلى الله عليه وسلم” ولا تتبعوا عوراتهم” فيه نهي بعدم تتبع زلاتهم وسقوطهم وكشف ما يسترونه عن الناس.
قوله صلى الله عليه وسلم فإنه” من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته” أن يكون الجزاء من جنس العمل فمن تتبع عورات المسلمين سخر الله له من يتتبع عورته ويفضحه حتى وهو في بيته.
وفي الحديث بيان أن الإيمان يكون بالعمل، والقول والجوارح، وفيه من النهي والتحذير من الغيبة، و الترهيب الشديد من تتبع عورات المسلمين.
وكذلك حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة مُنتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين” صحيح الأدب المفرد.
وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفارٌ من نُحاس، يخمشُون وجوههم وصدورهم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم” صحيح أبي داود
ما ذكر في النهي عن تتبع عورات المسلمين ؟
قال ابن القيم:
الغيبة وتتبع عورات المسلمين من البغي الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم” بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق” صحيح الجامع.
وقال السخاوي: قد روينا عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله أنه قال” أدركت بهذه البلدة ويعني بها المدينة أقواما لم تكن لهم عيوب فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وادركت بها اقواما كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم”
وقال ابن سيرين:
” عيرت رجلا وقلت يا مفلس فأفلست بعد أربعين سنة
وقال بكر بن عبد الله المزني” إذا رأيتم الرجل مولعا بعيوب الناس ناسيا لعيوبه او لعيبه فاعلموا أنه قد مكر به” فلو تفكر المغتاب بعيوبه لكفه عن ذكر عيوب غيره”
وإذا نظر المسلم إلى ظاهره وباطنه فلم يطلع فيهما على عيب ونقص. فليعلم أن جهله بعيوب نفسه اقبح الحماقات واشد المهالك وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم” ثلاث مهلكات :شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه” الصحيحة.
وان الله سبحانه وتعالى إذا أراد بمسلم خير بصره بعيوب نفسه.
وقال ابن مسعود:” إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه” صحيح البخاري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
من الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه ان المغتاب بريء مما يقولون او فيه بعض ما يقولون لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة.
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله ويقول والله انه رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت.
ومن الناس من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين الحسد والغيبة.
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزئ به.
فكم الذين يقعون في الغيبة و يستطيلون في أعراض لحوم إخوانهم .
ذكر بعض الأحاديث النبوية في النهي عن تتبع عورات المسلمين والغيبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من كانت عنده مَظْلِمَةٌ لأخيه، من عِرضِه أو من شيءٍ، فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم؛ إن كان له عمل صالحٌ أُخِذ منه بقدر مَظلِمتهِ، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه” رواه البخاري.
.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” كل أُمتي مُعَافًى إلا المُجاهرين، وإنَّ من المُجَاهرة أن يعملَ الرجلُ بالليل عملًا، ثم يُصْبِح وقد سَتره الله عليه، فيقول: يا فلان، عَمِلت البَارحة كذا وكذا، وقد بَات يَسْتُره ربه، ويُصبح يَكشف سِتْرَ الله عنه”
حرص الشريعة على ستر المسلم:
وعن الشعبي :” أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: “إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة”
. وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم:” إن الله يُدنِي المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلَك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم؛ فيُعطَى كتاب حسناته”
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال :” ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولاة غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة”
وعن أبي عثمان النهدي قال:” إنَّ المؤمن ليعطي كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19] “
– وقال حسن البصري : “من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه”
وقال العلاء بن بدر :” لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب”
وقال الفضيل ابن عياض :” المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر”
وقال ابن رجب :” رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم”
وقال ابن القيم : “للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس”
وقال أيضا :” ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَمَّه، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله”
وقال عبد الله ابن المبارك:
كان الرجل إذا رأى من اخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر. فيؤجر في أمره، ويؤجر في نهيه أما اليوم فإذا رأى أحدا من أحد ما يكره استغضب أخاه وهتك ستره.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” أتدرون ما المفلس؟” ، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ” المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار”رواه مسلم.
وأخيرا أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوا أنفسكم ولا تظلموها. بأن توقعوها فيما حرم الله تعالى عليها من التعدي على الناس في أنفسهم ، وأعراضهم ، وأهليهم ، وأماناتهم وأعمالهم.
بتتبع عوراتهم، وهتك سترهم، وفضحهم بين الناس.
فهذه الحقوق لا تسقطها الصلاة أو الصيام، والعبادات والطاعات.
حقوق الناس لا يسقطها إلا عفوهم ومسامحتهم لك.
فاتقوا الله في أنفسكم. رحمنا الله وإياكم ان شاء الله.