قصص وروايات
رواية مشاعر مختلطة

مشاعر مختلطة
بقلم/ أميرة سليم
في وقت مضى، شعرت بالتعب والهزيمة الساحقة من حياتي، أي أنني شعرت أنني لست قادرًا على الإستمرار و الصمود بعد، كأنني جُنديًا و سقط سيفه منه و ليس قادرًا أن يجده و لا يملك الطاقة لكي يبحث عنه، ضاقت بي الدُنيا كثيرًا و أيقنت أن لا يوجد من يشعر بك أو يُشاركك مأساتك.
أي أن حياتك هي خاصتك و حربك وحدك و يجب عليك أن تمضي للأمام بلا عودة للخلف رغم كُل ما يُعيق خطواتنا. و في النهاية جميعنا لدينا طاقة محدودة و صبر محدود و أن تشعُر بنفاذهما يومًا لا يُعد عيبًا، و لكن هذه هي الدُنيا قد تُعثرنا أحيانًا و تُفرحنا أحيانًا أيضًا و لا ينبغي علينا الإستسلام أبدًا فلنا رب قادر على كُل شي
.
هل علينا أن نلتقط صور لأنفُسنا و نحنُ نجهش بالبُكاء لكي يتم تقدير القليل من شعورنا؟ أو ليتم تقدير كم نحنُ مُتعبون؟ أصبحنا نرى الدُنيا و كأنها بُقعة سوداء سئمنا العيش بها، أصبحت باهتة بأعيُننا إلى حد كبير و فاقدة للتوهج، و لا أحد يكترث لأمر الأخر و لا يُقدر ما يفعله الغير له، فلم نعُد نُريد إثبات ذاتنا للغير.
أوّد أن أكون دومًا بعيدًا عن ما يُرهقني، لم أعُد أتمنى قُرب أحد، لم أعُد أنتظر أي شيء ليُقدمه أحدهم، لا أحتاج لكون أحد بجواري لأنني أسقط و أنهض بلا عون، أراني وحيدًا وسط من أُحبهم و لا أحد يكن لي ما أكنه له بداخلي.
لطالما كُنت دومًا شخصًا عابرًا بحياة الجميع، و الآن أنا لستُ حزين على الإطلاق لشعوري أن لا أحد يكترث لأمري بالعكس تمامًا، أصبح يُروقني كوني جيدًا بمُفردي فلا مجال ليُكسر قلبي بسبب توقعات لأفعال أو العشم بأحد أو حُب من طرف واحد، أُريد أن أظل بعيدًا عن كُل هذا إلى الأبد ‘.
يومًا بعد يوم، يتغيّر تفكيرك و إهتماماتك، ستتخلى عن أشياء ظننت يومًا انك لا تستطيع العيش بدونها، ستعتاد على مواجهة كُل شيء بمُفردك دون الحاجة إلى أحد، لن تتأثر بالماضي، لن يغلبك أبدًا..
يومًا ما، ستتيقن أن لا يوجد شيء دائم، كُل الأمور ستتبدل و ستُصبح أشد قوة “.
.
.
.
أخبرتني أُمي يومًا ألا أتعلق حتى لا أجد نفسي وحيدًا، و ألا أُعطي أي شخص أكثر مما يُقدمه حتى لا أُرهق قلبي، و لا أُفرط في الحُب حتى لا أسقط بلا أجنحة، و ألا أُصدق من لا يُثبت كلامه بالأفعال، و أن البطيء في إعطاء الوعود هو الصادق، و لكنني كُنت طفلًا حينها لم أُدرك كم هي صواب حتى أصبحت شابًا.
.
.
.
أما أنا، شخصًا عاديًا بكُل المعايير، فلا أملُك ملامح مُبهرة، و لا أملُك صفات نادرة، و لست الخيار الأفضل لأحد لطالما كُنت الأفضل لنفسي و هذا يُكفيني، دائمًا أملُك السلام بداخلي ليجعلني أتقبل نفسي كما هي، تعلمون أن جميعنا لدينا ما يُعيبُنا، و لكن لدي جُملة عالقة برأسي قرأتها يومًا تقول: لا يجب أن تكون مثاليًا، فقط كُن حقيقيًا.
فلا ينبغي أن نُعبر عن ما لا نشعُر به و لا نُنافق في تعامُلنا مع الناس فلا شيء أكثر بساطة من أن تكون حقيقيًا.
.
.
.
قديمًا، لم يكُن شيء كما الآن، كُل شيء يتغير بمرور الزمن.. الناس و الأيام و حتى الأماكن، لم يكُن الحل للمشاكل هو الإبتعاد عنها، لم يلجأ الناس لعدم الإكتراث و الإنسحاب أو العُزلة، الأيام تُصبح أشد صعوبة و يتعذر شرح ما يحدُث أحيانًا و تُصبح أكثر غرابة، و غالب البشر مُزيفون، مُزيفون في ما يُظهرون لنا من مشاعر أو حُب غير صادق، و نحنُ نكره كوننا مُهمشين بحياة من نُحب فنلجأ للإبتعاد عنهم، ليت كُل شيء كالسابق.’
.
.
.
أخبرني أحدهم أنه يراني أُبالغ في إظهار إعجابي بالشئ الذي أُحبه، و أنني أضحك على النُكات السخيفة، و أنني كالأطفال لتشبُثي بأدق التفاصيل حد البُكاء، و يسخر مني لأنني أُبالغ في وصف شعوري و بِرقصي على أُغنية أحببتها و أنني لا أتصرف كالبالغين!
لكنني في الواقع أتشبث بالتفاصيل الصغيرة التي تُسعدني و تُبقيني أشعُر و أبتسم برغم كل ما أمُر به، و إن صِحت بما في داخلي سيعلم كم أنا بالغة و أستطيع التحمُل و التخطي، أُحاول أن أُبقيني بلا حُزن فقط، أي أُحاول ألا أنطفئ .
.
.
.
أُحدثني ليلًا و نهارًا في حالي هذه الأيام، تارة أجدني المُصيب و تارة أجدني المُخطيء، فيُمكن أن يكون جميعهم مُصيبون و أكون أنا المُخطيء، لا أدري إن كُنت بهذا السوء، فهل يُعقل أن أكون أنا المُصيب من وسط كُل هؤلاء؟ أيُمكن أنني مُخطيء فقط لعدم إنسحابي من وسطهم؟
أين الصواب و أين الخطأ؟ مُشتت إلى حد لا يُمكن وصفه، هذا يدفعني للإبتعاد لا أجدني هُنا، لا أنتمي إلى مكان يمُدني بالطاقة السلبية، لا أنتمي لعائلة أو رِفاق يجعلوني أُحاسب نفسي على أفعال تلقائية مني، لا أنتمي لبيت يدفعني أُبرر حُسن نيتي و يخاب ظني بمن فيه، بالطبع أنا أرتكب الأخطاء فلا أحد خالي من العيوب، و لكنه يظل ليس مكاني، لا أجدني هُنا أبدًا.
.
.
.
الصمت ليس دومًا علامة للرِضا كما يُقال، و ليس دومًا هدوء ما قبل العاصفة، و لا مُحاولة لعدم الإكتراث، غالبًا ما قد يكون مُحاولة لجعلهم يفهمون ما لم يتم فهمه بالحديث حينما نجد أنه لن يُغير شيء، أحيانًا نجده كصورة من صور الموت.
لأنه يقودنا إلى الحُزن بلا رغبة في الإفصاح، فهو مؤلم و لكننا نختاره حينما يكون الكلام أشد ألمًا، يليق أكثر بكرامة الإنسان و يكون أكثر عُمقًا من الكلام، من لا يعرف أن يقرأ صمتك، لن يفهم كلامك أبدًا.
شاهد:تحميل و قراءة رواية أوجعت صغيرتي كاملة 12 فصل
نحنُ لسنا بالسوء الذي يجعل قلوبنا مملؤة بالحُزن، لسنا بهذا السوء أبدًا، نتمنى الأفضل دومًا لطالما نُريد أن نعيش بلا مشاكل، و لكننا نعلم أنه ليس إختياريًا..،
لدينا قُدرة كبيرة على إظهار عكس ما بداخلنا، أصبحنا نحترف هذا.. أصبح التظاهر بالسلام الداخلي بينما توجد نيران مُشتعلة بالداخل شيئًا طبيعيًا للغاية
أصبحنا نُريد الشعور بالأمان الذي يجعلنا نُفصح عما بداخلنا بدون خوف أو تردد، أو الشعور بأن هُناك من يكترث..
نُريد أن تهدأ الحروب الذي تُنهكنا شيئًا فشيئًا لأنها تكاد تستنزف طاقتنا، نُريد أن تنطفئ النيران بداخلنا فقط .
.
.
.
الليل هو المُفضل لدي، فالسماء منبع طمأنينتي، و النُجوم هُم وَنسي و أصدقائي، و الرِياح المُتعالية التي تُصيبني بالبرودة تُروقني، الهدوء و عدم وجود أحد بجانبي ليلًا، و الصمت السائد في أرجاء المكان كُله، أصبح ما أُفضله بعدما كان يُزعجني.
نحتاج أحيانًا لهُدنة من البشر و من أنفُسنا أيضًا، و نحتاج للإبتعاد حتى نُصبح قادرين أن نعود مُجددًا بعدما تم العبث بحياتنا كثيرًا، نحتاج وحدتنا التي نكرهها، لنُلملم شتات قلوبنا و طاقتنا التي نستنزفها يومًا بعد يوم.
.
.
.
لم نُهزم يومًا مِن الغُرباء عنّا، لقد كانت هزائمنا دومًا تأتي من القلوب الأقرب لنا، كانت جميعها مِمن نخشى عليهم من الهزيمة و مرارتها..
العِلاقات السطحية دومًا أنقى و أكثر راحة، فـ عدم التشبُث يُوفر طاقة و مشاعر لا يجب أن يُهدر منها الكثير، فـ حِفاظنا على قلوبنا و مُحاولة إنتشالها من زِحام العالم غير المُنصف هام، و مُحاولة الحِفاظ على أنفُسنا و سلامنا يجب أن تكون الأولوية دومًا، فـ أنت تأتي أولًا .
.
.
.
أود قول أنني أكره إن أشفقتُ على نفسي، و لِهذا أعلم جيدًا ماذا يعني أن تتعلق بِمن يؤذيك لِتُشفق على ذاتك و تكرهها كثيرًا، تستحق الحُب و الصِدق بِحياتك فلا تُكمل السَير بطرُق بِلا فائدة و لن تجعلك تَصِل لمُرادك، فـ ما دُمت تعلم مُنذ البداية أنك تسير في طريق لا يُلائمك عُد أدراجك بِلا رَجعة.
لأنه عليك أن تَضع نفسك أولًا حتى لا تُنهك بِلا فائدة، لا تمضي في عِلاقة مؤذية و لا تُهدر حُبك و طاقتك في عِلاقة لا تستحق، عليك بالمُغادرة و إن كُنت مُحِب، لا تجعل قلبك مُعلقًا لأن الحياة تستمر و إن تأذيت، كُل شئ سيُداوى و إن صَعُبت مُداواته، إختر نفسك أولًا حتى لا تجدها مُنهزمة.
.
.
.
قالت: كان مائلًا لِلعُزلة و يخشاها في ذات الوقت.. كان مائلًا للصمت و هو يؤلمه، و كان أيضًا مائلًا للإستماع لموسيقاه المُفضلة رغم أنها تجعل ما قد ظن أنه تخطاه يُطارده مُجددًا، كان مُشتتًا و مُبهمًا، كان من أخذ قلبي و رحل به بِلا رجعة.
أذكُر أنه كان دائمًا ما يتحدث عما يؤلمه، فلم يعتاد الهرب بل إعتاد المواجهة، إعتاد أن يتخطى كُل شئ بدون مُساندة من أحد، إعتاد حُبي و رِفقتي، و إعتدت أنا ألمًا لا يُفارق صدري بعد رحيله، فإذا سألني أحدهم عَما يؤلم حقًا ستكون إجابتي هي الفِقدان، فلن يفهم الكثير ماذا يعني رحيل من تُحب، لن يفهم الكثير ما تحمله تِلك الجُملة من صِعاب و مُقاومات عِدة.