قصص وروايات
قراءة رواية ميرال المميزة

قراءة رواية ميرال المميزة . ميرال عبارة عن رواية لكل الأعمار بها الكثير من الأحداث الشيقة لمحبي الروايات منذ الصغر، حيث تحكي قصة فتاة من بداية عمرها وهي في سن الثامنة وتتاوالي الأحداث بقلم/ الشيماء عادل.

ميرال
فسلام لقلب ظلَّ صامدًًا بوجه تلك الحياة،
ويرى- بحسن ظنه باللّّه- أن كل ألم يواجهه أمل.
سلاما لكَ ولقلبك الطيب.
– ميرال)1(، هيا ستغرب الشمس يا صغيرة.
– سندخل بعد قليل جدتي، سننهي تلك اللعبة وندخل.
كانت تلعب أمام منزل جدتها مع بعض أصدقائها هناك ومع أولاد خالاتها، فالجميع يُحب اللعب معها لمرحها ويجعلونها القائدة في كل شيء..
ربما لأنها تجيد لعب هذا الدور برغم صغر سنها.
– هيا يا أولاد ادخلوا الآن.
– حاضر جدتي.
ميرال فتاة تبلغ الثامنة من عمرها تُُحب جدتها جدًًا وجدتها تحبها أيضا بشدة، تحب أن تذهب إلى جدتها يومًيًا لتلعب هناك مع أصدقائها.
___________
ميرال: الغزال الصغير.
هدى أحضري فاطم وآسر كي تتناولوا غدائكم.
– حاضر جدتي.
جلسوا يتناولون الطعام ويتهامسون حول اللعبة التي كانوا يلعبونها منذ قليل.
تحدثت هدى:
– سنلعبها مرة أخرى عندما يأتي محمد.
– لا لن يجعلني ألعب.
قالتها ميرال متذمرة.
محمد ابن خالة ميرال يكبرها بعامين ويحبها بشدة، ولكنه لا يجعلها تلعب معهم بوجود آسر.
– هيا يا أولاد تناولوا طعامكم كفاكم لعبا اليوم.
– جدتي سأبيت معكِ الليلة فرجاًءً أخبري أمي.
– وأنا أيضا سأبيت معكِ جدتي.
قالتها “هدى” فرحة.
– لا.. ستذهبون لبيوتكم كي تذهبوا للمدرسة غدًًا.
جاءت مروة )والدة ميرال( وجلست مع أمها تتحدثان في أمور مختلفة.
– أمي أرجوكِ دعيني أبيت الليلة مع جدتي فهي تخاف أن تكون وحيدة.
ضحكت جدتها على كلامها وقالت:
– لا تخافي عليَّ يا صغيرة سأكون بخير، ولكن يجب أن تذهبي للبيت مع والدتك لأن غدًًا أول أيام الدراسة.
– لا نتعلم شيًئًا في أول يوم لذا لا داعي لأن أذهب.
ميرال اسمعي كلام جدتك ولا ترهقيها بجدالك، سنأتي يوم الخميس وسأدعكِ تبيتين معها.
– يا أمي سأبيت الليلة فقط، وغدا سأذهب معكِ ،وسأذهب للمدرسة بعد غد .
– دعيها يا مروة طالما لا يتعلمون شيًئًا في أول يوم .
تهللت أسارير ميرال بعد سماع كلام جدتها وأخذت تقفز فرًحًا وذهبت كي تخبر أولاد خالاتها بذاك الخبر السعيد.
وجدتهم يلعبون تلك اللعبة مجددا بعدما قدم محمد ،ذهبت ميرال بهدوء كي تخبر هدى أنها ستقيم الليلة مع جدتها، ولكن لن تخبر محمد كي لا يفسد الأمر.
رآها محمد وهي تتهامس مع هدى فقال:
– ميرال بماذا تُُحدثين هدى؟
– أخبرها بشيء خاص..
– ماهو؟
– غدًًا ستعرف.
– تضايق محمد من أسلوبها وقال:
– سنلعب مجددًا ولن أدعكِ تلعبين.
– لا أريد اللعب معك، سأذهب للعب مع آسر
– اذهبي يا ميرال من أمامي كي لا تغضبي مني. علمت أنه قد تضايق لأنها تعلم أنه يغضب عندما تلعب مع آسر ولا تعلم لماذا، ولكنها تحب مضايقته.
أخذوا يلعبون لبعض الوقت، ثم ذهبوا لبيوتهم عدا ميرال بقيت مع جدتها كما أرادت.
– جدتي..
نعم ميرال.
– هيا، أكملي قصة الفتاة الجميلة التي كنتِ تروينها لي.
– لا، يجب أن تنامي الآن فقد لعبتي اليوم كثيرًًا.
– حسًنًا، ولكن احتضنيني جيدًا كي تأتي معي في حلمي.
ابتسمت الجدة وقالت:
– حسًنًا يا صغيرتي، تصبحين على خير.
– وأنتِ من أهل الخير جدتي.
***
استيقظت ميرال على أصوات كثيرة، لا تستطيع تمييزها فقامت وخرجت من الغرفة ووجدت جميع خالاتها بالخارج وأمها أيًضًا والجميع يبكي . – ذهبت باتجاه والدتها وقالت:
– لماذا تبكون يا أمي؟ أهناك أحد مريض؟
– لا يا ميرال هناك شيء يجب أن أخبرك به.
– ما هو يا أمي؟ وأين جدتي؟
– ميرال أنتِ فتاة قوية أليس كذلك؟
– بلى يا أمي.
– حسًنًا يا حبيبتي.. أتعلمين أننا جئنا إلى الدنيا لبعض الوقت وسننتقل لمكان آخر جميل؟
– أعلم يا أمي كل ذلك، لماذا تخبرينني به الآن؟
– جدتك الآن انتقلت لذلك المكان يا صغيرتي..
وأخذت تبكي بشدة وتحتضن ميرال.
– لا يا أمي أنتِ تمزحين معي.. جدتي ذهبت كي تزور أقاربها وستأتي بعد قليل.. لا تقولي هذا
الكلام مجددًا، لأن المعلمة قالت في المدرسة من يذهب من الدنيا يعني أنه قد مات ولن نراه مرة أخرى.
– حبيبتي أنا لا أمزح ..ولكنها الحقيقة..
– ماذا تعنين؟ أتعنين أن جدتي ذهبت ولن أراها مجددا؟! لا لا انتم تمزحون معي.. ستأتي بعد قليل، هي قالت أنها تحبني وستكون معي دائما وستُُكمل لي القصة التي ترويها لي عند النوم. وأخذت تبكي بشدة وتهز رأسها نافيةً ما تقوله أمها.
جاء محمد باكًيًا وقال:
– هيا ميرال لا يجب أن نجلس هنا .
– كلا، لن أذهب معك أنا أنتظر جدتي.. أنا أكرهك..
قالتها صارخة في وجهه .
أتت هدى واحتضنتها وظلتا تبكيان سوًيًا.
مرت الأيام وميرال على حالها تجلس في غرفة جدتها تبكي بصمت ،ولا تريد أن تتحدث مع أحد.
– ميرال يجب أن نذهب للبيت الآن..
– لا يا أمي دعينا نمكث هنا لبعض الوقت رجاءً..
– وماذا عن والدكِِ؟ ومدرستك؟ هيا حبيبتي يجب أن تتحلي بالقوة، وأن تدعي لها كثيرًًا إن كنتِ تُحبينها.
– نهضت وأمسكت بيد أمها وودعت غرفة جدتها على مضض فهي لا تريد الذهاب، وكانت تأمل أن تعود جدتها في يوم ما..
***
كانت تدرس بِجد لكي تصبح طبيبة، وتعالج جميع المرضى، وتخفف الألم عن كبار السن وتعالجهم من أي عرض غريب يطرأ عليهم كي لا يموتوا، ورسمت حلمها وصارت تسعى لتحقيقه.
توالت الأيام سريًعًا وميرال تكبر ويكبر حنينها لجدتها، ظلت تذكرها ولم تنسها قَط، وكانت تتمنى رؤيتها من جديد وتفتقدها بشدة، ولكن ما بيدها حيلة غير الدعاء.
تكبر والحزن بداخلها يكبر ولكنها تعلمت مؤخرًًا أن تكتب عندما يتغلب الحزن عليها ووجدت أنها طريقة مُُجدية ،فشرعت بكتابة شيء ما..
“بعد رحيلك جدتي نضج قلب صغيرتك كثيرًا عما سبق، ولكنها تحاول الحفاظ عليه وعلى طفولته التي تميزه كما كنتِ تخبرينها دوًمًا، كنت تقولين أني أمتلك عقلا حكيمًا رغم صغر سني، ولكنني أمتلك قلب طفلة أخبرتِِني أن أحافظ
عليه طوال عمري وأن أبقيه هكذا فهو الذي سيعينني في مسيرتي..
أعمل جاهدة للحفاظ عليه جدتي، ولكني أخشى ألا أستطيع”.
كانت طفلة تظن أن الموت لا يأتي إلا بعد مرض أو ألم يصاب به كبار السن، لم تكن تعلم أن الموت يأتي بغتة دون أن نشعر، وأنَّ الموت حقٌ على الجميع.. على الصغير قبل الكبير.
***
أصبحت ميرال في الثانوية الآن وأصبحت تضع كل تركيزها على مذاكرتها.
– ميرال، هيا نامي حبيبتي يكفي سهرًا.
– سأذاكر لبعض الوقت وسأخلد للنوم بعد ذلك يا أمي.
– وفقكِ اللّّه حبيبتي وأسعد قلبك.
سرحت لوهلة في دعاء والدتها وتذكرت جدتها حين كانت تقول لها دوًمًا “أسعد الله قلب صغيرتي.” فأخذت تبكي وتقول:
– لقد زار الحزن قلب صغيرتك يا جدتي وأقام منزًًلا فيه، لقد عرف الحزن طريق القلب بعد رحيلك، اشتقت إليكِ جدتي..
نامت وهي تبكي وجاءتها جدتها في المنام وقالت لها: “لا تُهدري وقتك في البكاء يا صغيرتي، يجب أن تكوني قوية كما عاهدتك”.
فرحت لرؤية جدتها وذهبت لاحتضانها وهي تبكي.
– جدتي العالم موحش بدونك.
– لكنَّ صغيرتي قوية وقادرة أن تواجه العالم بقلبها الطيب ،كوني بخير دوًمًا ولا تجعلي الحزن يمكث بقلبك لوقت طويل وحاربيه بالأمل واعلمي أن كل شيء سيصبح على ما يرام وأحسني الظنَّ
باللّّه دوًمًا، وحسن الظنِّ باللّّه معناه أن تُُوقِِني أنَّ قضاء اللّه كله خير.
استيقظت ميرال وهي تتذكر وجه جدتها وحديثها إليها، لقد كانت فرحة جدًًا برؤية جدتها وأخذت عهدًًا على قلبها ألا يستسلم للحزن وأن تعمل بنصيحة جدتها.
درست ميرال بجد طوال العام، واليوم هو موعد نتيجة الثانوية والكل يترقب بخوف.
دخل والدها بوجه لا يُبشّر بالخير فنهضت والدتها وقالت:
– مابك يا أحمد؟ ماذا حدث؟ جاءت ميرال على صوت أمها وقالت:
– ماذا هناك؟
وهنا تحدث والدها بعدما رأى الخوف على وجه صغيرته وقال:
– لقد حصلت صغيرتي على المجموع الذي سيؤهلها لتصبح طبيبة كما تتمنى، لقد حصلتِ على ٨٩٪.
قفزت ميرال فرحة والضحكة تنير وجهها من جديد – وكأنها عادت ميرال الطفلة ذات الثمانية أعوام التي كانت تضحك وتقفز فرًحًا عندما توافق أمها على مبيتها عند جدتها-.
أخذت أمها تزغرد وتحتضنها وتبكي فرًحًا لنجاح صغيرتها.
شاهد: سفينة في عرض البحر
بدأ الجميع يهاتفونها ويباركون لها وهاتفتها هدى وقالت:
– مرحًبًا بالطبيبة الصغيرة ستنيرين كلية الطب يا فتاة وسنذهب سوًيًا.
ردت عليها ميرال:
– سأكون متفوقة وسأجتاز الاختبارات بجدارة فاستعدي للمنافسة.
– حسنا يا ميرال لن أتهاون معكِ.
كان محمد يهاتف والدتها ويبارك لها في نفس الوقت الذي كانت تتحدث فيه مع هدى. نادتها والداتها وأخبرتها أن محمد يودُّ أن يبارك لها بنفسه
أخذت الهاتف من والدتها وتحدثت:
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام، مبارك يا طبيبة العائلة الصغيرة.
– أنا لست صغيرة يا محمد..
ضحك لتذمرها وقال:
– ولكنَّ هدى طبيبة العائلة الكبيرة .
– الفرق عام فقط.
– لا يهم، ولكنك ستزالين صغيرة بالنسبة إليّ.
– قلت لكَ أنا لست صغيرة يا بشمهندس، وأنتَ لا تكبرني سوى بعامين فقط.
علم أنها قد تضايقت بالفعل طالما نادته بالبشمهندس.
– حسًنًا يا ميرال، مبارك لكِ وأتمنى لكِ التوفيق دائما.
– بارك اللّّه فيك، اللهُمَّ آمين وإياك.
أنهت الاتصال مع محمد وذهبت لتصلي ركعتين شكرا للّّه.
قضت ميرال ليلة جميلة مع والديها يعمُُّها الفرح ،ونامت قريرة العين ،مرّّت الأيام سريًعًا وجاء اليوم الأول للدراسة الذي انتظرته بشوق شديد.
ذهبت في اليوم الأول مع هدى وأخذتا تتحدثان في أمور شتى.
أخبرتها هدى عن نظام المحاضرات وعن بعض الأساتذة الذين سيقومون بالتدريس لها. دخلت ميرال إلى قاعة المحاضرات بقلب متلهف لما ينتظرها ،مرَّ اليوم الأول لها هادًئًا جدًًا وتعرفت على زميلة لها تدعى”مَيس.” لم تكن ميرال تحب الاختلاط بأحد وكانت انطوائية بعض الشيء لذا لم تكن لديها صديقات سوى هدى ابنة خالتها خلال رحلة دراستها، كانت تمتلك بعض الزميلات لا أكثر، ولكنَّ ميس.. ستكون مختلفة عن الجميع.
***
رجعت إلى منزلها بعد يوم طويل وجديد بالنسبة لها فهناك رأت الكثير من الفتيات تتحدثن مع زملائهم الشباب بأريحية شديدة ولا يعرفون معنى الحدود.
جاءت والدتها لتطمئن عليها وتعلم ماذا حدث بيومها الأول.
– كيف حالك حبيبتي؟ وما أخبار يومك الأول بالجامعة؟
– بخير يا أمي، ولكني أودُّ الحديث معكِ بشأن شيء ما، وشرعت تقصُّ لأمها عن مناظر الفتيات بالجامعة وكيف يرتدين الملابس، وكيف تتحدثن مع زملائهم بأريحية شديدة.
تحدثت أمها بحزن قائلة:
– يجب ألا تنسي ما كنت أخبركِ به دوًمًا.. رمز الفتاة الخلوقة هو حياؤها ويجب ألا تفعل شيئا
يقلل من حيائها، ويجب أن تكون صامدة كالجبال وسط الفتن، وأن تدعو اللّّه دوًمًا أن يرزقها
الثبات على الدرب الصحيح ،واعلمي أنَّ الجامعة أكبر مكان تتواجد فيه الفتن يا ميرال فيجب أن تنتبهي لنفسك كثيرًًا وأن تظلي كما أنتِ بثيابكِ المحتشمة التي أمرنا اللّّه عزَّ وجل بها، وأن يظل قلبك دائما كزهرة مغلقة، لا تفتحيه لأي عابرٍ
فالقلب كاللؤلؤة المحفوظة بداخل صدفة، ولكل مّنّا صدفته الخاصة التي يجب الحفاظ عليها مغلقة حتى يأتي من يملك مفتاح تلك الصدفة، أتفمينني يا عزيزتي؟
– نعم يا أمي سأحافظ على صََدفتي وأبقيها بأمان لا تقلقي، وسأبقى كما أنا ميرال التي ربيتها وسأجعل رأسكِ مرفوعة دائًمًا.
– حفظك اللّّه بُُنيتي وأبعد عنكِ كل مكروه.
– اللهمَّ آمين وإياكِ يا حبيبتي.
دخلت ميرال غرفتها وظلت تفكر في حديث والدتها وأخذت تكتب:
“إلى الحُُب الذي لا يزال بعيدًا عن قلبي، لا أريدك إلا في الحلال..”
قامت لتصلي ركتين وتدعو اللّّه أن يثبتها على الطريق الصحيح وألا يعلّق قلبها بأحد غيره وأن ينير دربها.
اعتادت ميرال الذهاب وحدها إلى الكلية فموعد محاضراتها مختلف عن موعد محاضرات هدى ،ولكنها كانت تقضي الوقت برفقة زميلتها “ميس “التي أحبتها ورأت فيها شيًئًا مختلًفًا.
جلست تتحدث هي وميس عن حياتها وكيف
وصلت كل منهما إلى هنا ،علمت ميرال أن ميس عانت الكثير خلال حياتها فهي يتيمة الأب والأم وتعيش مع جدتها وكافحت كثيرًًا لتصل إلى هنا.
علمت ميرال أن اللّّه رحيم بها وأنها عانت من الفقد مرة واحدة وتشعر بكل ذاك الحزن يُُخيم على قلبها، فما حال من عانت بفقد أمها وأبيها؟ دعت اللّّه أن يرزق ميس الصبر وأن يربط على قلبها وأن يعينها ويكون معها وينشر الأمل بقلبها.
حضرت ميرال وميس محاضراتهما وذهبت كل منهما لمنزلها.
دخلت ميرال على والدتها وأخذت تقصُّ عليها ما حدث وتحكي لها عن ميس ومعاناتها.
– يجب أن تكوني نعم الرفيقة لها وألا تتركيها لحزنها يا ميرال.
– سأفعل ذلك يا أمي.
دخلت غرفتها وبدلت ثيابها وصلت فرضها وأخذت تكتب شيئا يبث الأمل بداخل قلب صديقتها لتهديه إليها غدًًا..
“الحياة قصيرة جدًًا يا صديقتي فلا داعي أن نُُهدرها في ذلك الحزن الذي تملّّك من قلبنا وأنهكه.. دعينا نتغلب عليه سوًيًا، دعينا نجتازه وألا نقف مكتوفي الأيدي عندما تصيبنا محنة ما ،فاعلمي أن تلكم المِِحن ما هي إلا اختبار من اللّّه لنا ويجب أن نصبر عليه، واعلمي أن اللّّه إذا أحب عبدًًا ابتلاه.
يجب ألا تقفي ساكنة هكذا لأنكِ ستجدين أن الدنيا تمر دون مؤازرتك في محنتك، ستسير دون أن تبالي بكِ فاقتنصي كل فرصة منها وتشبثي بالفرح أينما تجديه فنحن لن نجده دوًمًا.
علينا أن نكون ذوي أثرٍ في الحياة وألا نكون مجرد شخص عابر ذهب من الدنيا كما جاء إليها.”
أنهت كتابتها للرسالة وهي تعلم أنها تحدث نفسها قبل أن تحدث ميس ثم نامت بقلب مليء بالأمل نحو الغد.
***
– ميرال هيا ستتأخرين على محاضرتك.
– حسنا يا أمي سأستيقظ حالا.
نهضت وتوضأت لتصلي الضحى قبل الذهاب للكلية.
وصلت للكلية وبمجرد دخولها سمعت:
– ميراااال.
كانت تلك هدى، نادتها ثم ضحكت وقالت:
– مرحًبًا بالتي أصبحت مشغولة عني، ولا تأتي حتى لرؤيتي والاطمئنان عليَّ..
– سامحيني فأنتِ تعلمين أن امتحانات
“الميدتيرم” قد حان موعدها وتعلمين كم أكون متوترة في فترة الامتحانات.
– لا تقلقي أيتها الطبيبة المتفوقة ستجتازينها بامتياز كالعادة.
– وأنتِ يجب أن تذاكري بجد أيضا، ولا تنسي المنافسة التي أخبرتني عنها.
– لا تقلقي سأجتازها وبجدارة بإذن اللّّه بامتياز مع مرتبة الشرف.
ضحكتا سويا وأتت ميس على صوت ضحكات صديقتها.
– مرحًبًا ميرال.
– مرحبا ميس أُعرّفكِ بابنة خالتي وصديقتي هدى، طالبة في الكلية معنا ولكنها تكبرنا بعام ،علينا أن نتعلم منها فهي متفوقة.
رحبت هدى بميس وتحدثن جميًعًا في بعض الأمور حتى حان موعد محاضرتهم التالية.
– ذهبت كل من ميرال وميس إلى قاعة المحاضرات المخصصة لهما وجلستا بجوار بعضهما كالعادة.
أتى شاب وجلس بجوارهم وتحدث قائلا: مرحًبًا أُُدعى “شريف،” وأنتما ما اسميكما؟ تحدثت ميرال مسرعة:
– نحن آسفان لا نتحدث مع الشباب وأخذت بيد ميس وتركت المكان بأكمله.
تحدثت ميس بصوت منخفض قليلا:
– لِم نهضتِ مسرعة يا ميرال؟
– أنت تعلمين أنني لا أحب أن أحادث الشباب ويجب ألا ندع لهم الفرصة لذلك، وألا نجلس معهم على نفس المقعد.
– أجل، أعلم ولكن كان عليك التحدث بتريث ..
هو لم يفعل شيًئًا.
– لا يا مَيْْس لو تركته يتحدث أكثر من ذلك فسنندم على ذلك لاحًقًا.
كانت ميرال تخاف دوًمًا من محادثة الشباب وتتذكر حديث أمها وألا تدع المجال للحديث
طالما الأمر غير ضروري، وتخشى على قلبها أن يغرق في الفتن ولا يستطيع النجاة بعد ذلك، لذا فهي تتجنبهم دوًمًا.
حتى في صغرها كانت لا تتحدث مع أحد سوى آسر ومحمد وقلّّت الأحاديث بينهم كثيرًا بعدما كبرت ميرال.
جلستا في مقعد آخر بعيد عن ذاك الشاب الذي يُدعى”شريف” وأخذتا تستمعان للمحاضرة بتركيز شديد.
بعد المحاضرة قالت ميس:
– أنا جائعة جدًًا وأريد أن آكل شيًئًا.
– ما رأيك أن تأتي معي للبيت ونأكل سوًيًا هناك بما أنَّ محاضراتنا قد انتهت؟
– ولكنني لم أخبر جدتي.
– حسنا هاتفيها وأبلغيها واعلمي ما رأيها.
هاتفت ميس جدتها وأخبرتها عما تنوي فعله ووافقت جدتها لأنها كانت تعلم ميرال من حديث ميس الكثير عنها.
– حسنا، لقد وافقت جدتي.
– مرحى دعينا نشتري بعض المُُثلجات ونحن في الطريق إذن.
كبرت ميرال ولكنها لا تزال تملك قلبًا طفوليا بداخلها، كان صديقها الوحيد وقت الشدة ولهذا تسعى دوًمًا للحفاظ عليه.
***
ذهبتا سويا لمنزل ميرال ورحبت والدة ميرال بميس وأخبرتها أن ميرال لا تكف عن الحديث عنها.
جلست ميس وميرال في غرفة الأخيرة وتذكرت ميرال أنها نسيت أن تعطي الرسالة التي كتبتها لميس، أحضرتها وأعدتها لميس قائلة:
– خذي واقرأيها بعناية فأنا كتبتها خصيًصًا لكِ.
أخذتها ميس منها وقامت بقرائتها ثم بدأت
الدموع تسيل على خدَّيها، وعندما انتهت من قرائتها احتضنت ميرال بشدة وشكرتها وقالت:
– جزيتِ كل خير يا ميرال فحقا أنا سعيدة بصُحبتكِ جدًا، وأتمنى أن يجمعنا الله في الجنة كما جمعنا في الدنيا، وأن يزرع الأمل بقلبك دائما فهو يستحق كل خير.
– وأنا أتمنى ذلك بشدة أيًضًا، وأحبكِ جدًا ولا أريد أن أرى تلك العيون الجميلة تبكي سوى دموع فرح.
– أسعد الله فؤادك يا ميرال فأنتِ حًقًا طيبة القلب.
– وإياكِ يا رفيقتي.
أحضرت والدة ميرال الطعام وجلست الفتاتان تتناولانه بحب شديد مع بعض الأحاديث الجانبية.
– أتحبين الكتابة يا ميرال؟
– أجل ،أهرب من حزني إليها وكانت خير ملجأ لي ونِعمَ الصديق.
– أنا أحب الرسم.
– حسنا سترسمينني ذات مرة.
ضحكت ميس وقالت:
– لا تضحكي عندما ترين نفسك إذن.
– ستكون جميلة لأنكِ من سترسمينها، وسأسعد بها وأتفاخر أن صديقتي رّسّامة عظيمة.
– على رسلِِك يا فتاة فأنا لازلت مبتدئة.
– ولكنني على يقين بأنكِ ستصبحين أجمل رّسّامة وأفضل طبيبة أيًضًا.
– دمتِ يا رفيقتي ودامت كلماتك المُشجعة ودام قلبك الطيب.
ذهبت ميس بعد أن قضت وقتا جميًلًا بصحبة ميرال وأخذت تقص كل ما حدث على آذان
جدتها التي ترعاها وتعمل دائًمًا ألا تشعرها بفقدانها لأمها وأبيها وتتمنى أن يرزقها اللّّه بالزوج الصالح قبل أن تُُقبض روحها لبارئها.
جلست ميرال تذاكر بعض دروسها، وبعد أن شعرت ببعض الملل
فتحت مذكّّراتها وشرعت في الكتابة..
” قد نَمُرُّ بأشياء أوجعت قلوبنا وأرهقته حد الموت، قد نفجع في موت شخص عزيز على
قلوبنا، وستترك فينا كل تلكم الأشياء أثرًا لا يمكن محوه..
لطالما قالوا أن الحياة ستستمر وهي قطًعًا ستفعل، ستستمر دون أن تنتبه لكَ وستمر بك أو بغيرك دون أن تكترث لتلك الندوب التي تركتها فوق روحك الهشّّة، ستتجاوزك وتتجاهلك وستكون أنت الخاسر الوحيد من كل ذلك..
كل ما عليك فعله أن تتجاوز معها كل شيء..
لأنها لن تقف لأجلك.
رُبََّما تُكمل طريقك لأنك بدأته فحسب.. وربما تحيا لأنك يجب عليك هذا فقط، وربما تخطو نحو الغد لأن الغد قادم لا محالة، ولكن بعد كل هذا ففي روحك شيء لم ولن تكترث له الحياة.
ولكن عليكَ فقط الاستمرار والتغلب على كل شيء يقيدك عن التقدم، عليك أن تترك الحزن في ركن منزوٍ وبعيد، وألا تفكر به دائما كي لا يسيطر عليك، عليكَ أن تملأ قلبك باليقين وأنَّ كل شيء سيصبح على ما يرام ما دمت تحسن الظنَّ باللّّه”.
أغلقت مذكراتها وذهبت لتصلي ركعتين ثم تنام.
مرت الأيام كالعادة وميس وميرال أصبحتا أشد قرًبًا واجتازتا الاختبارات بنجاح حتى حان موعد اختبارات نصف العام، ساعدتهما هدى كثيرًًا وكانوا يذهبون في أغلب الأوقات الفارغة لديهم – التي تكون بين المحاضرات وبعضها- إلى المكتبة ليذاكروا سوًيًا حتى أتت الامتحانات والجميع كان متوترًًا، ولكن كعادة ميرال المَرِِحة تحاول أن تُُخفف عنهم القلق- حتى وهي تشعر بالكثير منه- ولكنها كانت دوًمًا تجيد لعب الدور وتعرف كيف تطمئنهم وتقوم بإضحاكهم أيضا كي يزول عنهم التوتر وتخبرهم أن يكونوا على يقين بأن اللّّه سيجبرهم ويحقق لهم ما يتمنون فاللّّه لا يضيع أجر من أحسن عملا، وكانت تنتظر هدى يومًيًا لتذهبا سوًيًا وتقابلا ميس بالجامعة ويجلسن ليراجعن موادهم قبل الامتحانات ثم تدعو كل واحدة منهم للأخرى، وتذهب كلَّ منهم لقاعة الامتحانات الخاصة بها، ولأن ميرال وميس لديهما نفس الحروف الأولى فكانتا تتشاركان نفس القاعة.
***
– وأخيرًًا أتت الإجازة.
– لا بُدّ أن تذهبي سريًعًا للنوم يا ميرال فعيناكِ نائمة وأنتِ تتحدثين.
– أجل لديك حق يا ميس فأنا لم أنم سوى ثلاث ساعات البارحة، فالمادة الأخيرة تلك مليئة بالمعلومات المتشابهة.
– الحمدلله أننا انتهينا منها.
– ماذا ستفعلين في الإجازة؟
– اذهبي للنوم أوًًلا وسأهاتفك وأخبرك بخطتي.
– حسًنًا، إلى اللقاء يا جميلة.
– إلى اللقاء يا طيبة، أراكِ قريًبًا.
ذهبت ميرال إلى المنزل وكانت تود أن ترقص فرًحًا بأنها قد انتهت من نصف عام وتدعو الله أن يعينها على استكمال باقي أعوامها.
تركت أمانيها جانًبًا الآن فهي تكاد يغشى عليها من قلة النوم، وذهبت في سبات عميق..
استيقظت ميرال على صوت ضحكات فعلمت أن خالاتها قد أتين كي يقضين اليوم سوًيًا احتفاًلا بالإجازة.
– السلام عليكم.
ردَّ الجميع عليها السلام وبدأوا يسألونها عن الكلية وهل هي سعيدة بها أم لا.
– الحمد للّّه أنا سعيدة جدًًا فاللّّه جبرني بها واستجيبت دعواتي، والحمد للّّه أن رزقني بصُُحبة مَيْْس
وبدأت تحكي لهم عنها.
جلست هي وهدى وفاطم يسترجعن أيام طفولتهن ويلعبن بعض الألعاب التي كُنَّ يلعبنها في الصغر، وفي ذلك الوقت أتى مُُحمد وآسر وجلبا بعض الحلوى والمثلجات أيضا.
– السلام عليكم جميًعًا.
– وعليكم السلام.
– مرحى لقد جاءت الحلوى.
قالتها ميرال.
ضحك آسر وقال:
– لقد جلبت النوع المفضل لديك “الشيكولاتة”.
– شكرًًا لكَ آسر، فأنت تتذكر ذلك دوًمًا منذ الصغر.
كانت النيران تشتعل بقلب مُُحمد ولكن ما بيده حيلة الآن، ففي الماضي كان يعاقبها بعدم اللعب معهم ولكن ماذا سيفعل الآن؟ تحدث محمد مغتاًظًا:
– وهذه البطاطس المقرمشة بطعم الشطة والليمون كما تُُحبينها يا ميرال..
ضحكت من طريقته التي يتحدث بها، وتذكرت ما كان يحدث عندما كانوا صغارًا وقالت:
– شكرًًا يا ابن خالتي.
قضى الجميع يوما مميزًًا كما كانوا يفعلون في حياة جدتهم، فهم تعاهدوا ألا تنقطع تلك الجلسات العائلية أبدًا.
رنَّ هاتف ميرال وكانت المُُتصلة ماهي إلا مََيس.
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام، اشتقت لكِ يا رفيقة.
– أتمزحين معي يا فتاة؟ أنا لم أتركك إلا منذ بضع ساعات لا أكثر.
– ولكنني اشتقت إليكِ يا ميس حًقًا، هيا أخبريني.. ما هي خطتك لتلك الإجازة؟ – سأذهب لورشة الرسم التي أخبرتك عنها من قبل.
– حسًنًا أيتها الرسامة أودُّ أن تأتي معي لدار تحفيظ القرآن ،أنا أخبرت المعلمة عنكِ وقالت لا بأس بمجيئها.
– حقا؟ سأخبر جدتي وآتي ولكن يجب أن تخبريني ما النظام هناك.
– لا تقلقي فمعلمتي طيبة القلب ولا تقسو على أحد ودائما تقول “قليلٌ دائم أفضل من كثير منقطع” لذا فاحفظي قدر استطاعتك.
– حسًنًا، ولكن أخبريني أين وصلتِِ؟
– أنتِ تعلمين أنني أقوم بالختمة الثانية الآن وها أنا قد وصلت فيها عند الجزء العاشر.
– بارك اللُُّه فيكِ يا حبيبتي وجعلكِ من أهل القرآن وأهل الله وخاصته .
– اللهُمَّ آمين وإياكِ يا رفيقتي.
– أين توقفتِ أنتِ في داركِ القديمة.
– عند سورة مريم.
– أتعلمين؟ إنها من أحب السور إلى قلبي، هيا لم يتبق إلا القليل فتحلي بالهمة وأنهِِهِ سريًعًا لكي ندخل المسابقة التي ستقام في الجامعة العام القادم.
– بإذن اللّّه.
– ميرال.. أيمكنني سؤالكِ عن شيء؟
– بالتأكيد اسألي ما شئتِ.
– أأحببتِ يوًمًا ما؟
سكتت ميرال لثانية ثم تنهدت قائلة:
– لا أظن أنني وقعت فيه إلى الآن، كل ما أستطيع قوله لكِ أنني عندما كنتُ صغيرة كنت معجبة بآسر ابن خالتي، رُبََّما لأنه كان طيب القلب معي دوًمًا وكان يلعب معي أي شيء أريده، أظنه شعور طفلة صغيرة فحسب.
– ولكنك أخبرتني عن ابن خالة لكِ يُُدعى
“محمد” وكنت تخبرينني أنه قال لك أنه يحبك وأنتِ صغيرة.
سرحت ميرال تتذكر ذلك الموقف الذي حدث لها وهي في العاشرة عندما كانوا مجتمعين في منزل خالتها.
ميرال انتظري أودُّ أن أخبرك بشيء ما.
– لا، لا أريد الاستماع لكَ فأنت لا تجعلني ألعب معكم.
– أنتِ تعلمين أنني لا أحب أن تلعبي بوجود”آسر.”
– ولماذ؟! ا فهو ابن خالتي أيضًًا ولطيف أيضًًا ولديه شعر طويل وجميل.
– اصمتي، لا تتحدثي عنه هكذا مرََّة أخرى.
– لماذا؟
– لأنني أحبك.
– وما الأمر في ذلك فأنا أحبكم جميعا.
– ولكنني أحبكِ أنتِ أكثر من الجميع ،وعندما نكبر سنعيش في منزل رائع كما تتمنين.
– حسنا، يجب أن يكون كبيرًًا جدًًا، لكي نستطيع العيش به جميعًًا.
– ولكننا سنعيش فيه أنا وأنتِ فقط.
– أمي لن توافق وأنت تعلم ذلك .
– سنتزوج يا ميرال.
– ممماذا؟!!!! هيا اذهب من هنا فأنا لا أريد اللعب معك مرة أخرى.
ومرت فترة كبيرة وميرال لا تتحدث مع محمد وربما تقوم بمضايقته أكثر باللعب مع آسر.
أفاقت ميرال على صوت صديقتها وهي تقول:
– أين ذهبتِ يا فتاة؟
– ها؟ أنا معكِ سرحت في بعض الأمور ليس أكثر، ماذا كنتِ تقولين؟
– كنت أتحدث عن ابن خالتك محمد.
– يكفي كلاًمًا في هذا الموضوع فكل ما حكيته لكِ مرَّ عليه الكثير من السنين وكنا لا نزال صغارًًا.
– حسًنًا، أرى أنكِ تتهربين ولكن لا بأس.
– لا أتهرب، ولكنني لا أفكر في هذا الموضوع الآن أنا أغلقتُ قلبي جيدًًا حتى يأتي حلاله. – حسًنًا يا رفيقتي، رزقكِ اللّّه بالزوج الصالح المُُصلح كما يتمناه قلبك.
– اللهُمَّ وإياكِ يارب.
أغلقت الهاتف مع صديقتها وسرحت بالحديث الذي دار بينهما وضحكت عندما تذكرت مغامراتها مع أولاد خالاتها عندما كانوا صغارًًا.
أفاقت على صوت أمها تخبرها:
– ميرال، لا تنسي إيقاظنا لصلاة الفجر إن كنتِ لا زلتِ مستيقظة.
– حسنا يا أمي.
– تصبحين على خير صغيرتي.
– وأنت من أهل الخير يا أمي.
عندما خرجت والدتها من الغرفة أخرجت
مذكراتها وشرعت بالكتابة -فهي الشيء المفضل لديها-.
“لا أعلم بماذا سيشعر قلبي عندما يقع بما يسمى الحُبّ، ولكنني أظن أنه شعور جميل.. رُُبما تتسارع نبضات القلب وتتزايد بطريقة عجيبة ،
ورُبََّما تتجاوز الحد المعروف لها)1(، ولكن أظنُّ أنَّ هذا ما يحدث عند الوقوع بما يطلقون عليه الحُُب”.
***
ظلّت ميرال مستيقظة تشاهد بعض أفلام الكارتون المفضلة لديها بعدما انتهت من كتابة خاطرتها حتى حان موعد صلاة الفجر فنهضت ___________
)1( معدل النبض الطبيعي للإنسان البالغ يترواح ما بين 06 إلى
06 نبضة في الدقيقة.
توقظ والديها للصلاة.
صلّّت الفجر وقرأت أذكارها كما تفعل يومًيًا وخلدت إلى النوم.
في الصباح خرجت مع أمها للتسوق فهي لم تفعلها منذ مدة واشترت بعض الحُُلوى لها ولوالدتها.
– أمي، أودُّ أن أذهب لدورة تدريبية تقام عن كيفية كتابة الرواية العربية.
– ولمَ أنتِ مهتمة بهذا الأمر؟
– أحب الروايات وأودُّ أن أستغل حبي للكتابة وأتعلم كيفية كتابة الرواية.
– ولكني لا أريد أن تنشغلي بهذا عند دراستك.
– لا تقلقي فهي ستقام خلال فترة الإجازة فقط.
– حسًنًا ولكن يجب أن نخبر أباك أوًًلا.
– حسًنًا أمي .
عادت ميرال ووالولدتها إلى المنزل وشرعتا
بتحضير طعام الغداء سوًيًا، فميرال تُحب ذلك وهي ماهرة في صنع الطعام كأمها.
جاء والدها وجلسوا يتناولون طعامهم وأثنى أحمد “والد ميرال” على الطعام فأخبرته مروة:
– ميرال ساعدتني كثيرًًا.
– سلمت يداكِ يا صغيرتي.
– سلمتَ من كل مكروه يا أبي، وبما أن الطعام أعجبك فلتوافق على ذهابي للدورة التدريبية التي أودُّ الذهاب إليها.
– ماهي تلك الدورة؟
– ستُُخبرك أمي بالتفاصيل حالما أعدُّ الشاي لكما.
– حسًنًا يا صغيرة.
أعدّت الشاي وجلسوا يحتسونه وكان والداها يحبان شرب الشاي الذي تعده ميرال ولطالما قالا أن له نكهة خاصة.
تحدث أحمد قائلا:
– ومتى ميعاد تلك الدورة؟
– غدًًا أول يوم لها.
– حسًنًا ومع من ستذهبين.
– لا أعلم، ولكنني سأخبر هدى علَها تستطيع المجيء معي.
– حسًنًا أخبريها الآن، كي تستعد.
ذهبت ميرال لتهاتف هدى وتخبرها ووافقت
الأخيرة ليس حًبًا في الكتابة، بل حُبًّّا في قضاء بعض الوقت مع ميرال فهما لم تخرجا سوًيًا منذ وقت طويل.
***
جلست ميرال تكتب شيًئًا ما..
“تمنيّّنا أن نكبر سريًعًا وما علمنا أننا سنندم على ذلك عندما تضيق بنا السُُبل، سنتنمنى العودة حيث كُّنّا أطفاًًلا صغارًًا، ليس لأن هذه المرحلة تخلو من المسؤلية المُُلقاة على عاتقنا وليس لأنها مرحلة اللهو والمرح، بل لأن في مرحلة الطفولة لكلِّ مشكلة حل، حل بسيط ينأى بنفسه بعيدًًا عن تعقيدات الحياة.
في أوقات ما تحمل لنا الذكرى عبًقًا لا يمكن نسيانه، ورُبََّما لأن الطفولة لها ذكرى خاصة في قلوبنا فإننا دومًا ما نحنُّ إليها وإلى أيامها”. أغلقت المُُذكرة الخاصة بها وقامت لتصلي
ركعتين قيام الليل وتدعو اللّه أن يرحم جدتها ويسكنها الفردوس الأعلى وأن يجمعهما على خير، وتدعو لوالدي صديقتها أن يغفر اللّّه لهما ويربط على قلب صديقتها ويعوضها خيرًًا جزاء صبرها بإذن اللّه.
سمعت أذان الفجر وذهبت لتوقظ والديها، وأدت فريضتها وقرأت أذكارها وخلدت للنوم.
جاءتها هدى في الصباح.
– هيا أيتها الكسولة، ستتأخرين عن الدورة وهذا ما أتمناه فلنذهب للملاهي إذن.
ضحكت ميرال ونهضت.
– أعدك أن نذهب إليها بعد الدورة وسأشتري لكِ
“غزل البنات” أيًضًا.
احتضنتها هدى قائلة:
– أنتِ أفضل أخت في العالم.
– كل هذا لأجل الملاهي وغزل البنات؟ وكزتها هدى وقالت:
– أنتِ تعلمين أن هذا ما أعنيه حًقًا فأنتِ لستِ مجرد ابنة خالتي وحسْْب، أنتِ صديقتي المقربة أيًضًا.
– وأنتِ بالنسبة لي أخت لم تلدها أمي يا هدى ،أدامكِ اللّّه.
– وأدام قلبكِ الطيب يا ميرال، هيا انهضي كي لا نتأخر.
– حسًنًا.
ارتدت ثيابها وذهبت هي وهدى إلى الدورة وأعجبت بها كثيرًًا وتعرّّفت على زميلة لها هناك ،ثم ذهبت للملاهي وأحضرت “غزل البنات” لهدى كما وعدتها.
– المرة القادمة سآتي لكِ بالمقرمشات التي تُُحبينها.
– حسًنًا، ولا بأس ببعض”الشيكولاتة” أيضا.
ضحكتا سوًيًا وقالت هدى:
– هيا يجب أن نعود الآن كي لا نتأخر.
– حسًنًا.
خرجن من الملاهي وأثناء مرورهم بالشارع جاءت سيارة مُُسرعة واصطدمت بميرال فجأة.
– ميرااال، أفيقي باللّّه عليكِ ولا تُُقلقيني عليكِ.
وأخذت تبكي والناس ملتفة حولها ولا تريد لأحد من الرجال أن يلمسها وينقلها للمشفى، ورغم كونها طبيبة لا تستطيع إنقاذها فالخوف قد تملََّك منها.
لم تستطع سوى الاتصال بأخيها “مُحمد”وحدثته بصوت يعلوه البكاء فلم يسمع أي شيء سوى ثلاث كلمات، ميرااال.. سياارة..دماء.
كانت كفيلة بأن تجعله يتحرك دون تفكير وعقله يتخيّّل أسوأ الأمور ولكن قلبه يتمنى أن يكون كل ذلك كذًبًا.
جاء محمد بأقصى سرعة بعدما حصل على العنوان منها بأعجوبة، ولحسن الحظ أنه كان قريًبًا من المكان، رآها شاحبة الوجة والدماء تسيل من رأسها فجرى ناحيتها وحملها واتجه مسرًعًا نحو أقرب مشفى.
المكان مكتظ بالكثير وصوت البكاء منتشر في كل الأرجاء والدعوات تقطر من فم الجميع. – أيها الطبيب كيف حالها الآن؟
– لديها كسر في اليد اليمنى، والقدم اليسرى وشرخ بالجمجمة.
– لم تتمالك الأم نفسها وسقطت مغشية عليها.
اهتمت هدى لأمرها وأخذتها لغرفة جانبية.
– ستكون بخير أليس كذلك أيها الطبيب؟
قالها محمد وقلبه مليء بالوجع على صغيرته- كما يقول-.
– نتمنى أن تمر تلك الساعات على خير وعندما تفيق سننقلها لغرفة خاصة.
– شكرًا لك.
جلس الجميع ينتظرون مرور تلكم الساعات التي مرت وكأنها أدهر من الزمن وليست ساعات.
***
تم نقل ميرال لغرفة خاصة بها وكان الجميع حولها قلقين لأقصى درجة.
– حبيبتي كيف حالك الآن؟ قالتها والدموع تسيل على خديََّها.
– أمي، لا تقلقي أشعر ببعض الوجع في رأسي ليس أكثر.
نظرت لجميع من بالغرفة ،ولكنها استوقفت نظرها على شخص يقف بنهاية الغرفة والقلق مرسوم على وجه.
جاء آسر وأخته فاطم بعدما علما، وتحدث آسر قائًلًا:
– كيف حالك الآن ميرال؟ وكيف حدث ذلك؟ وكيف تشعرين؟
– هي ليست على ما يرام كي تجيب على كل تساؤلاتك تلك، هيا نخرج كي تسريح.
خرج محمد وآسر كي تستريح ميرال بأريحية.
– ألا يمكنك تركي أطمئن عليها؟
– وكيف تطمئن عليها بكثرة تساؤلاتك؟ يجب ألا نجعلها تقوم بأي جهد.
– ألن تنوي الزواج يا محمد؟
– وهل هذا وقت يسمح بطرح ذاك السؤال؟ اصمت يا آسر.
كان آسر يريد أن يطمئن أن محمد لا يشعر بشيء تجاه ميرال لأنه يودُّ أن يأخذ خطوة في هذا الأمر ويجعل والدته تخبر والدة ميرال بنيته بالزواج من ميرال بما أنه لم يتبقَ سوى عام واحد على تخرجه.
أقبلت ميس مسرعةودموعها تسيل على خديها ودخلت الغرفة دون أن تسلم على أحد من الحضور وجرت باتجاه صديقتها وقالت:
– ميرااال! كيف حالك يا حبيبتي؟ أتشعرين بالكثير من الوجع؟
– ميس، أنا بخير الحمد للّّه، لا تقلقي الأمر ليس بهذا السوء.
– وكيف هذا وأنتِ هكذا؟
– كيف ستذهبين للدورة التي أخبرتني عنها؟ أنتِ كنتِ متحمسة لها بشدة ،وكيف سنذهب للدار؟
– لعله خير ياحبيبتي، لا تقلقي بشأن كل هذا وبشأن الدار يمكنك الذهاب مع هدى، وأنا سأخبر المعلمة أن أكثف المراجعة بالمنزل حتى يتم شفائي على خير بإذن الله.
– أسأل اللّه العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك.
وكررتها لسبع مرات كما قال الرسول- صلى اللّه عليه وسلم.)1(
***
عادت ميرال إلى منزلها وكان الجميع يزورونها
كل فترة وفترة، واستغلت ميرال فترة مكوثها في البيت
ولا تفعل شيًئًا فكانت تقوم بمراجعة ما عليها من القرآن وتكتب في مذكرتها..
“نصاب بالابتلاءات ونظن أنها شرٌّ لنا ولا نعلم أن الخير يكمن بداخلها ونحن نجهله فقط، لذا فلا
___________
)1( كرر الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- الدعاء للإهتمام والاعتناء ،ويستحب تكرار الدعاء والإلحاح فيه.
تبتئس عندما تُبتلى وردد: “إنا للّّه وإنا إليه راجعون ،اللهُمَّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًًا منها”.
بدأ النصف الثاني من العام الأول، ولكنَّ ميرال لم تستطع الذهاب بعد للكلية فكانت ميس تأتي لها يومًيًا وتُطلعها على ما تعلموه، وكانت تقوم بالشرح لها في بعض الأحيان.
– ميرال متى ستزيلين هذا؟ أنا لم أعد أريد الذهاب وحدي للجامعة.
– أخبرني الطبيب أنني أستطيع إزالته بعد مرور أسبوع.
– شفاكِ اللّه عاجًلًا غير آجل.
– اللهُمَّ آمين حبيبتي، وشكرًا لكِ على كل ما تفعلينه لأجلي فأنتِ وربي نِِعم الرفيقة.
– لا تقولي هذا، المهم أن تتعافي بسرعة.
غادرت ميس وجلست ميرال تفكر في موقف
صديقتها معها وتذكرت تلك الجمل التي كانت رأتها من قبل..
“واختر خليًلًا يُُحب فيكَ ما يحبه اللّّه، ولا يتهاون معكَ أبدًا فيما يُبغِِضه”، “إنَّ الصداقة لا تُُقاس بطول الصُُحبة والمعرفة وكثرة اللقاء فكل هذا وهم، إنما الصداقة الحقيقة بالمواقف والعطاء وطهارة القلب”.)1(
لطالما تمنََّت أن يرزقها اللّّه برفيقة صالحة فمنَّ اللّّه عليها بميس وكانت نِِعم الرفيقة فدعت اللّّه أن يجعلهما صُُحبة صالحة ويجعلهما أصدقاء دنيا وجنة.
___________
)1( أحسنوا اختيار أصدقاءكم فهنيًًا لمن كان له صُُحبة صالحة في تلك الدنيا، فاختاروا من تقولون عنهم كما قال عبداللّّه بن مسعود – رضي اللّّه عنه-: كان إذا خرج لأصحابه قال: “أنتم جلاء حزني”.
***
ظلََّت ميرال مستيقظة حتى استيقظت والدتها وساعدتها في الوضوء كي تصلي الفجر ثم خلدت في سبات عميق..
– محمد! ماذا تفعل هنا؟
– أنتظركِ.
– أهناك شيء طارئ؟
– ميرال، أنا أودُّ التقدم لخطبتك ولكنني خائف من ردة فعلك..
– مماذا تقول؟
– ميرال أنتِ تعلمين أنني أحبك منذ كنتِ صغيرة ولا زلتُ أحبك ولكنني فضلت الصمت حتى يأتي الوقت المناسب..
استيقظت ميرال على صوت هدى:
– هيا أيتها الكسولة فأنا تركت جامعتي لأجل أن أفطر معك.
– هدى أغلقي النور فأنا أريد النوم..
ثم هبّت جالسة على سريرها وقالت:
– لحظة! أكنت أحلم؟
– ماذا تقولين يا ميرال؟
– ها، لا شيء لا شيء.
– حسًنًا أيتها الكسولة سأذهب لأحضر الطعام من المطبخ.
جلست ميرال تتذكر حلمها وتذكرت يوم حادثتها ونظرة القلق التي كانت في عيني محمد وأخذت تقول:
– أيعقل أنه لا زال يُُحبني؟ ولكن كيف؟ ولماذا أنا؟ ولماذا أحلم به في نومي؟ كفى يا ميرال يكفي تفكيرًًا في هذا الأمر تذكري دائًمًا ألا يتعلق قلبك بأحد غير اللّه.
جلست تتناول الإفطار مع هدى وعقلها لا زال يفكر ولكنها توبخه من داخلها
– ميرال، أتعلمين أن صوت ميس جميل في تلاوة القرآن والمعلمة أعجبت بها؟
– نعم هذا جيد.. سآتي معكما بعد أيام.
– ما بكِِ؟
– لا شيء.
– هيا هيا تحدثي، فكلي آذان مُصغية.)1(
تودُّ أن تخبرها عما يُشغل بالها، ولكن ماذا تقول لها؟ أتخبرها بأنها حلمت بأخيها وهو يخبرها أنه يحبها؟ هزت رأسها لعلها تُُخرج ما بداخلها.
– لاشيء، أنا فقط أشعر ببعض الملل ليس أكثر..
– ما رأيك أن نهاتف ميس ونجعلها تأتي ونجلس سوًيًا؟ – موافقة.
___________
)1( مُُصغية وليست صاغية كما يقولها الكثيرون، فالفعل “صغى “الثلاثي معناه “مالَ” فهو صاغ وهي صاغية كما ذُكر في سورة
التحريم” وإنْ تََتوبا إلى اللّّه فَقَدْ صغَتْ قلوبكما”أي مالت عن الحقِّ فهي صاغية، وأما “مُُصغية” فهي من الفعل غير الثلاثي “أصغى “فهو مصغٍ وهي مُُصغية وتعني “أحسن الاستماع.
جاءت ميس وجلبت بعض الحلوى التي تُفضلها ميرال وجلسن يشاهدن بعض أفلام الكارتون مع الحديث في أمور مختلفة.
تحدثت ميس قائلة:
– انظروا، سأريكم رسمتي الجديدة.
ضحكت هدى كثيرًًا عندما رأتها فهي كانت رسمة لشخصية كرتونية، ولكنّ ميرال أعجبت بها بشدة فهي تحب ذلك الكرتون جدًًا وصرخت فرحة:
– سآخذها وأحتفظ بها.
– هي لكِ عندما أخبرتني أنّكِ تحبينه فأردتُ أن أسعدكِ وأهديها لكِ رغم بساطتها.
– ميس لا أستطيع أن أقول شيء، ولكنني صدًقًا أحبكِ جدًًا وقد أسعدتِ قلبي.
– نحن هنا..
قالتها هدى ضاحكة.
– سأرسم لكِ واحدة أيضا يا هدى.
– بعد ماذا؟
قالتها محاولة رسم الحزن على وجهها.
– حسًنًا سأرسم لكِ شيًئًا مختلًفًا، لكن لا تحزني.
– حسنا وبعض الشكولاتة لا بأس بها.
ضحكن جميعًا وعادت كلَّ من هدى وميس إلى منزليهما وجلست ميرال تنظر للرسمة بحب كبير وكأنها أهدتها كنزا.
***
مرََّت الأيام وأزالت ميرال جبيرتََي يدها وقدمها وذهبت لكليتها.
– أخييرًًا أتيتِ، أنرتِ الجامعة بأكملها.
– اشتقت لتلك الأيام معكِ حقا يا ميس.
– وأنا أيًضًا، لذا انتبهي على نفسك بعد ذلك ولا تذهبي للملاهي بدوني.
ضحكت ميرال وقالت:
– أخائفة عليّ أم منزعجة بأنني ذهبت بدونك؟
– الاثنين.
وأثناء حديثهما قاطعهما ما يُُدعى”شريف “وتحدث قائًلًا:
– السلام عليكم أعلم أنكما لا تتحدثان مع الشباب، وقد علمت صدفة أن حادثة قد حدثت لكِ بالأيام الماضية لذلك لم تأتِ إلى الجامعة فأردتُ الاطمئنان عليكِ.
– شكرًا لك.
قالتها ميرال وأخذت يد صديقتها وذهبت
– من أخبره بما حدث؟
– لا أعلم فأنتِ تعلمين أنني لا أتحدث مع أحد غيرك وكنت آتي لحضور المحاضرات وأعود سريًعًا.
– حسنا ولكن إن كررها لن أقف صامتة.
– سأضربه إن ضايقك مرة أخرى.
ضحكت ميرال ،ولكنها كانت تفكر في أن هذا “الشريف” يتابعها، وإلا فكيف علم بما حدث؟ وقد لاحظ أيًضًا تغيبها الفترة الماضية، ولكنها قررت ألا تبالي للأمر في الوقت الراهن طالما أنه لا يوجد ما يدّّعي هذا.
بعد المحاضرات ذهبتا لتشتريا شيًئًا باردًًا فالجو كان حاًرا.
– ماذا ستشربين؟
– عصير الخوخ.
– أنتِ تحبينه كثيرًًا أليس كذلك يا ميرال؟
– بلى، فأنا أحب الخوخ بكل حالاته.
– حسًنًا وأنا سأشرب فراولة.
وقفتا منتظرتين العصير وأثناء انتظارهما وجدت ميرال”شريف” ينظر إليهما ويتحدث مع شاب آخر ويضحك، أخذت العصير وذهبت هي وميس ولم تعره أدنى اهتمام يذكر.
عندما خرجت من “الكافتيريا” قابلت هدى صدفة.
– ميرال أنرتِ الكلية من جديد.
– هي مضيئة بوجودك من قبلي.
– حسًنًا أستذهبين الآن؟
– نعم اجلسي سنتناول العصير ثم نذهب ،أتريدين البعض؟ – لا، لا أحب الخوخ.
– لن أقوم بإعطائك من الأساس.
ضحكن جميًعًا وقُمن كي تعود كل منهن إلى منزلها ،ودعتهم ميس فهي تمشي بالجهة الأخرى.
مشت هدى وميرال سوًيًا وأثناء طريقهما قابلتا محمد فألقت ميرال السلام عليه وأخبرتهما أنها ستستقل تلك السيارة القادمة.
فتحدث محمد قائًلًا:
– تعالي معنا سأوصلكِ بطريقنا.
– لا بأس سأذهب، لا أريد إتعابكما معي.
تحدثت هدى:
– هيا فالجو حار وأنتِ لا زلتِ في فترة النقاهة.
رأت ميرال أن المدعو شريف في الاتجاه الثاني من الطريق وينظر لها فخشيت أن يوقفها في وسط الطريق ففضلت الركوب مع أولاد خالتها.
– حسًنًا.
وقبل أن تتحرك السيارة وقف المدعو “شريف “أمامها وتحدث بصوت عالٍ قليًلًا وهو يضحك بسخرية قائًلًا:
– تقومين بدور “الشيخة” علينا بالجامعة وفي الخارج تفعلين ما يحلو لكِ وتركبين سيارة مع شاب أيًضًا؟
نظرت ميرال بصدمة والدموع بدأت تتجمع بعينيها وكانت ستنطق لولا أنََّها سمعت باب السيارة يُفتح ومحمد يخرج منها ويقف أمام شريف ويقول له:
– ما شأنكَ بها؟
– ومن أنت كي تُُحدثني بالنيابة عنها؟
– تكلّّم وإلا لن أدع الأمر يمر بسهولة.
– حسنا، أرني ماذا ستفعل!
– حسًنًا يا ميرال سأُريكِ كيف لا تعيريني انتباهك من الآن فصاعدًًا.
أمسك محمد بياقة قميصه وقال:
– إياكَ والمساس بها، أتفهم؟
– ومن أنت كي تتحدث هكذا؟ أيعقل أن تكون خطيبها؟
وضحك بسخرية فأجاب محمد:
– أجل أنا خطيبها إياكَ وأن تقترب منها.
ثم تركه محمد وركب السيارة وسط ذهول كل من ميرال وشريف.
أما بالنسبة لأخته فهي تعلم أنَّ أخيها يحب ميرال ولكنه ينتظر أن يتخرّّج أولا ثم يذهب لخطبتها، ولكنها تظن أنَّ الأمور ستجري في اتجاه آخر بعد الآن.
تحدث محمد:
– أهو معكِ بنفس الفرقة؟
– ها؟ أجل.
– ما اسمه؟
– لاا لا أعلم.
ثم تذكرت اسمه عندما تحدث إليها لأول مرة.
– يدعى “شريف”.
– وكيف علمتِ اسمه؟
– هو من قاله.
– أحدثك قبل ذلك؟
– أجل ولكنني لم أدع له فرصة لذلك.
– حسًنًا.
عادت ميرال إلى منزلها وهي لا زالت تفكر بما
نطقه محمد وتفكر في ماذا ستفعل إن تعرض لها هذا “الشريف” مرة أخرى.
أخرجت هاتفها لتخبر ميس بما حدث.
– أووه ألم أقل لكِ أنه لا زال يحبك حتى الآن؟
– ميس أنا لم أهاتفكِ لأجل أن أسمع تلك الكلمات، أريد أن أعلم ماذا سأفعل لو تعرّض لي شريف هذا مرة أخرى.
– لا تقلقي، لا أظن أنه سيتجرأ بعد الآن.
– حسًنًا سأذهب للنوم فرأسي تؤلمني قليًلًا. – أأنتِ بخير؟
– أجل لا تقلقي.
ذهبت ميرال لتنام ولكنها لم تسطع بسبب عقلها وما يفعله بها فنهضت تصلي ركعتين علّّها تهدأ وأخذت تبكي وتدعو حتى نامت مكانها.
استيقظت ميرال على صوت والدتها وهي توقظها
– ميرال، أأنتِ بخير حبيبيتي؟
– أجل يا أمي فأنا غفوت وأنا ساجدة ليس أكثر.
– ما بكِِ؟
– علمت أنها لن ترتاح حتى تقصُّ على أمها كل ما حدث وشرعت تحكي كل شيء منذ البداية وإلى أين وصل الأمر.
– أفعلتُ شيئا خاطئًا يا أمي؟
– لا حبيبتي أحسنتِ صنًعًا، ولا تشغلي بالك بالأمر وضعي جهدك في دراستك، ولا أظن أنه سيتعرض لكِ بعد الكلام الذي قاله محمد.
– حسًنًا يا أمي.
ولا تعلم أن ما يشغل تفكيرها هو حديث محمد والنظرات الصادرة من عينيه تجاه شريف، أقال هذا الكلام فقط لأن الموقف حتم عليه ذلك؟ أم أنه كان يعنيه حًقًا؟ أخذت توبّّخ عقلها:
“كفى يا ميرال لا تفكري بما حدث بعد الآن وركزي في دراستك كما قالت أمكِ ولا تشغلي عقلك بمثل تلك الأمور”.)1(
***
بدأت ميرال بمذاكرة بعض الدروس لديها وبعد فترة أمسكت هاتفها ووجدت إعلاًنًا عن الدورة التدريبية لكيفية كتابة الرواية التي قد ذهبت إليها من قبل ولم تكملها بسبب ما حدث، وجدت أنها ستقام ثانية بعد عدة أيام ففرحت بشدة وأخذت تتصفح فوجدت بعض الكلمات لشخص ما ولكنها أعجبت بطريقة كتابته وبلغته وألفاظه فجلست تقرأ بعض التعليقات وعلمت أنه خريج كلية تدعى “دار العلوم ،”أخذت تبحث عنها وتعرف المزيد من العلومات عنها وأعجبت بها وتمنّّت أن تدرس فيها، ظلت تقرأ الكثير عنها حتى سمعت أذان الفجر فصلت ثم خلدت للنوم كي لا تتأخر على كليتها.
– هيا ميرال ستتأخرين.
___________
)1( كُلّ طريقٍ يفتح لك بابًًا للفتنه تجنََّبه.
– حسنا يا أمي سأقوم بعد قليل.
ذهبت إلى الجامعة وقابلت ميس وأخذت تقصُّ لها عن تلك الكلية التي تدعى دار العلوم.
– سمعت عنها من جارتي.
– حقًّّا؟ كنت أسمع عنها ولكني لم أعلم بأنها جميلة هكذا.
– لكنَّ جارتي تقول أنها شديدة الصعوبة.
– وهل كلية الطب شديدة السهولة؟
– ولكنها كلية نظرية..
– أعلم وأعجبني ذلك فهي تُُدرس اللغة العربية والشريعة الإسلامية، أودُّ حقًّّا الالتحاق بها.
– أتتحدثين بجدية؟
– أجل، فأنا أودُّ أن تتحسن كتاباتي وأدرس اللغة العربية بعمق، وربََّما أصير كاتبة مشهورة ككاتبتي المفضلة التي أقرأ لها دوًمًا.
– والطب؟
– أنا رسمتها حلم لي منذ الصغر علمت أنها تحتاج جهد أكبر ومذاكرة كثيرة فهربت من حزني إليها ،أنا تمنيتها نتيجة خوفي من فقدان أحد آخر وهذا تفكير طفولي، واكتشفت أنني أخاف من مسك أداة بسيطة فكيف لو قمت بعملية جراحية، لا أظن أنني قادرة على ذلك.
– أتتحدثين بجدية حقّا؟
– أتعلمين؟ عندما قرأت عن الكلية أحسست أنها الشيء الذي أبحث عنه منذ مدة.
– وأهلك؟
– لا أعلم، لا أظنُّ أنني سأستطيع إقناعهم بسهولة ، ولكنني لا أريد الندم فيما بعد لذا سأصلي استخارة قبل أي شيء.
– أعلم أنها ستكون أنانية مني إن وقفت أمام شيء تحبينه حقّا وتلمع عينيك عندما تتحدثين عنه، ولكنني أريد أن تظلي معي فأنا أخاف أن نفترق.
– ميس لا تقولي هذا فأنتِ ستظلين رفيقتي الوحيدة المقربة لقلبي، فأنتِ تعلمين أنني لا أتعرف على أحدٍ بسهولة فأنا قضيت جميع مراحل دراستي ولم يكن لي سوى بعض الزميلات لا أكثر، لم أمتلك صديقة سوى هدى حتى أتيتِ أنتِ وأنرتِ قلبي بوجودك فيه فلن أُفرِِّق بيننا ما حييت، ستظلين أنتِ وهدى رفيقات قلبي. دمعت عيون ميس ولم تستطع الكلام ولكنها قامت باحتضان ميرال بشدة وشرعتا بالبكاء سوًيًا.
ظلّّت تلك الفكرة تؤرّّق ميرال ولكنها كانت تصلي صلاة الاستخارة دوًمًا وتدعو)1(..
“رَبِّ اختر لي ولا تُُخيرني فإنَّ الخيرة فيما اخترته لي، اللهُمَّ يا مُدبّّر كل عسير دبّّر لي أمري واكتب لي التوفيق أينما كنت”.
ظلّّت لفترة طويلة على تلك الحال، كانت تريد أن
___________
)1( دعاء الاستخارة: اللهُمَّ إني أستخيركَ بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنَكَ تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنتَ علََّام الغيوب، اللهُمَّ إن كنت تعلم هذا الأمر- وتسمي حاجتك بعينها- خيرًًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو” في عاجل
أمري وآجله” فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهُمَّ وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو” في عاجل أمري وآجله” فاصرفني عنه واصرفه عني، وقدّر لي الخير حيث كان ثم ارضني به.
تكون متيقنة من أنها اختارت الطريق الصحيح عند إخبار أهلها بقرارها، ولكنها وجدت أن امتحانات نهاية العام اقتربت ووجدت أن تخبرهم الآن حتى تترك لهم الوقت كي يفكّروا ويقتنعوا بقرارها.
***
– أمي أودُّ أن أخبركِ بشيء أنتِ وأبي.
– ما هو حبيبتي؟
– ولكنني أودُّ أن أخبركم في بادئ الأمر أنني قد فكرت كثيرًًا وصليت استخارة أيًضًا حتى تيقنت من قراري واطمأنّ له قلبي.
– ما الأمر يا ميرال؟
– أنا أودُّ أن أحول من كلية الطب.
– مماذااا؟
قالتها أمها مندهشة وكان أبوها ملتزما للصمت ويريدها أن تكمل.
– أمي أنا لن أجد نفسي بالطب، فأنا أودُّ أن أدرس شيئا أحبه لكي أنجح به وأعدك أنني لن أخذلك سأكون متفوقة كما كنت دوما، فأنتِ تعلمين أنني أحب اللغة العربية لذا سأدرس في كلية مختصة بذاك الأمر وسأدرس أيًضًا الشريعة الإسلامية لذا فهي ستفيدني في دنياي وآخرتي.
تحدث والدها قائًلًا:
– وما تلك الكلية يا ميرال؟
– دار العلوم يا أبي.
– أتسألها ما هي الكلية؟ أموافق أنت على ذلك الأمر من الأساس؟
– مروة ..ميرال هي التي ستدرس وليس نحن لذا دعيها تفعل شيًئًا تحبه وتختاره بنفسها، فإن فشلت فيه فلن تلوم أحدا منا وإن نجحت- وأنا على يقين بذلك بإذن اللّه- سنفتخر نحن بها بأنها من اختارت طريقها بنفسها واستطاعت الوصول لما تريده.
هدأت والدتها بعض الشيء ولكنها لا زالت معترضة ولكن ميرال تشجعت أكثر بعد سماع كلام أبيها وتركت له أمر إقناع والدتها.
***
– ميرااال.
– نعم يا هدى، أظن أنني أعرف ما ستتحدثين به.
– وكيف ذلك ياذكية.
– من نبرة صوتك يا فتاة، أتظنين أنني أجهلك؟ يبدو أنَّ أمي قد تحدثت مع والدتك في أمر الكلية.
– ميرال ،أنت تتكلمين بجدية وكلام خالتي ليس خطأ؟
– هدى أنتِ تعلمينني وتعلمين أنني لم أحلم بالطب لأنني أتمنى ذلك، وتعلمين السبب.
– أعلم كل ذلك، ولكنكِ عانيت بشدة لأجل ذلك يا ميرال.
– لكنني لم أرَ نفسي به قط، أنا أودُّ أن أتعلم شيئا لأنني أحبه وليس لأنه واجب عليَّ تعلمه.
– وماذا ستفعلين مع خالتي؟
– أبي سيقنعها.. أنا على يقين من ذلك الأمر ،أنتِ تعلمين أنني لن أبالي بكلام الناس فالأهم من كل ذلك أنا وما أحلم به وما دُمتُ أستطيع السعي خلف حلمي فسأفعل ذلك.
– أتمنى لكِ التوفيق دوًمًا يا ميرال، رغم أن كلية الطب ستعتم من بعدك.
– يكفي أنكِ بها، فأنتِ كنتِ ولا زلتِ طبيبة العائلة الوحيدة وها أنا قد تركت لكِ الأمر برمته فلتريني أفضل ما عندك يا طبيبتي.
– حسًنًا حسًنًا أيتها الكاتبة المستقبلية سأجعلك تكتبين عني وعن إنجازاتي.
ضحكت ميرال قائلة:
– فلتقومي بصنعها أوًلا.
– سأفعل إنجاز يتحدث عنه العالم أجمع. – بالتوفيق يا طبيبة العائلة.
أنهت ميرال مهاتفة هدى وجلست تكتب..
“عندما تُُقبل على أمر تحبه فستشعر بطمأنينة قلبك، لذا عليك أن تفعل ما تريده أًيًا كان ولا
تبالي لأحد طالما أنكِ لن تضر، فلتفعل ما تريد ولتسعَ لاطمئنان قلبك دوًمًا فأنا أظنُّ أن طمأنينة القلوب هي الشيء الأعظم على الاطلاق”.
استطاع والد ميرال إقناع والدتها – ولكنها لا زالت مترددة بعض الشيء- ولكنها ستفعل كما قال زوجها، ستدعها تفعل ما تريد وتتمنى أن يوفقها اللّّه ويسعد قلبها.
بدأت ميرال تجهيز كل شيء كي تُقدّّم في الكلية وكانت ميس معها خطوة بخطوة ولم تتركها أبدًًا.
– ميس، لا أعرف ما أقوله لكِ حًقًا، ولكنني شاكرة جدًًا لكِ وممتنة لوقوفك معي وأحبكِ جدًًا. – ميرال لا تقولي مثل هذا الكلام مرة أخرى ،ولكن يجب أن تأتي لزيارتي ولا تتركيني وحيدة في يوم محاضرة التشريح.
– لن أتركك ما حييت ولكن اتركيني وشأني في هذا اليوم خصيصا فقد تركت الكلية بأكملها لأجل هذا.
ضحكت ميس وقالت:
حسًنًا أيتها الجبانة سأعلم بجدولك وننظم أياًمًا نتقابل بها.
– بالتأكيد.
جهزت ميرال كل شيء وذهبت أيًضًا للدورة التدريبية، وقضت أيام ما قبل بداية الكلية في القراءة عنها وعن المواد التي ستدرسها ونظام امتحاناتها وكل شيء عنها.
وبدأت الدراسة وميرال كانت على أتم الاستعداد لها ونوت أنها لن تهدر الوقت في شيء لا فائدة منه، يجب أن تثبت نفسها وتسعى لتحقيق حلمها كي تؤكد للجميع أنها على حق.
درست ميرال بِجد وكانت نعم الطالبة وأعجبت بنظام جلوس الطلبة في تلك الكلية فالبنات لهم مقاعد خاصة وهذا الأمر جعلها تزداد إعجاًبًا بتلك الكلية العريقة.
ورغم أنها منشغلة بدراستها لم تنسَ رفيقتها ميس وكانتا تتحدثان في معظم الأوقات وتخبرها بما تستكشفه عن كليتها الجديدة وتمنّّت أن تكون معها ولكن لكل منا حلم يسعى خلفه.
***
– ميرال لقد اجتزت العام الأول بتقدير امتياز، أنا حقا فخورة بكِ.
– وأنتِ كذلك يا ميس مبارك لك نجاحك ستكونين أنتِ وهدى أفضل طبيبتين – بإذن اللّّه-
.
– وفقنا اللّّه لما يحبه ويرضاه.
– اللهُمَّ آمين.
فرحت والدة ميرال بنجاح وفرحة ابنتها وأعدت لها حفًلًا صغيرًًا يضم خالاتها وأولادهن وصديقتها ميس.
– مبارك لكِ يا ميرال.
– بارك اللّه فيكَ يا آسر، ستتخرج ذاك العام أليس كذلك؟
– بلى، وستتنهي مسيرة تعليمي.
– متى حفلة تخرجك؟
– الشهر القادم بإذن اللّّه.
– وفقكَ اللّه في حياتك العلمية والعملية.
– اللهمَّ وإياكِ.
كان آسر قد أخبر والدته لتخبر خالته بنيته في الزواج من ميرال بما أنه سيتخرج هذا العام قليقم بخطبتها ويحددوا ميعاد الزواج كما تريد ميرال.
وأثناء الحفلة جلست هدى مع ميرال وأخبرتها بنية محمد بالزواج وقالت لها: “فكري بالأمر وحين تملكين ردًًا سواء بالرفض أو الموافقة أبلغيني”.
أخذت ميرال تُفكِِّر بالأمر وأيقنت أنها لن تستطيع أخذ القرار دون مشورة أمها، فذهبت لتخبرها.
– أمي أودُّ أن أخبركِ بشيء هام.
– حقا؟ فأنا كذلك أودُّ إخبارك بشيء.
– ما هو؟
– لا، قولي ما لديك أوًًلا.
– حسًنًا، أخبرتني هدى أن محمدا يودُّ التقدم لخطبتي.
– مماذا؟ ومتى أخبرتكِ بذلك؟
– اليوم.
– كيف هذا وميار “والدة محمد” لم تفاتحني بالأمر كما فعلت ميّ”والدة آسر.” – وما علاقة خالتي مي بذاك الأمر؟
– ما أودُّ إخبارك به أن آسر تقدم لخطبتك اليوم ،وأخبرتني ميّ أن أخبركِ بالأمر أوًلا وإن كانت لديك موافقة مبدأية فسيأتي مع والده.
– مماذااا؟ محمد وآسر في نفس الوقت؟
– ميرال لن أضغط عليكِ بهذا الأمر مطلًقًا، فلكِ مطلق الحرية، هذه حياتك حبيبتي ففكري بتأنٍّ وتعقل فتلك الأمور لا تؤخذ بالعاطفة أتفمين؟ – حسًنًا يا أمي سأصلي استخارة وليوفقني اللّّه للاختيار الصحيح.
أخذت ميرال تفكر كثيرًا ولكنها لم تحسم الأمر بعد، ولكنها تيقنت بأن محمد لا زال يحبها حقا وكلامه مع “شريف” لم يكن كلاًمًا فقط.
هاتفت ميس وأخبرتها بما آلت إليه الأمور.
– أووووه، ستختارين محمد بالتأكيد صحيح؟
– ولم لا أختار آسر؟
– أنتِ متيقنة بأن محمد يحبك منذ الصغر.
– ولماذا إذا تقدم آسر لخطبتي؟
– ربما لأنه يرى بكِ الزوجة المناسبة فقط. – حقا لا أعلم ،أنا خائفة من اختياري..
– فلتحسني ظنك باللّّه ولتقدمي على الأمر الذي تشعرين بأنه الخير، وسيرشدك اللّّه لذلك فقط صلي استخارة وتوكلي على اللّّه.
– اللّّه المستعان.
قالتها ميرال والحيرة تملأ قلبها وعقلها – كتب اللّّه لكِ الخير أينما كان.
– اللهُمَّ وإياكِ يا حبيبتي.
أغلقت مع صديقتها وشرعت في الصلاة، وأخذت تدعو اللّّه أن يختار لها الخير أينما كان وأن يرزقها بالزوج الصالح المصلح الذي تتمناه دائما.
بعد الصلاة أخذت تكتب..
” أريد أن أختاره دوًنًا عن الجميع ..أختاره وأجيب الجميع عندما يسألونني: “لماذا هو؟ “فأجيب بكل ثقة لأنه من ارتضاه قلبي وعقلي ،ارتضيته صديًقًا قبل أن يكون زوًجًا وحبيًبًا ،ارتضيته وقبلتُ به دون جهد يُُذكر ،لم أقم بإقناع عقلي بمميزاته كما كانوا يريدون ويتحدثون دوًمًا، قبلت بعيوبه قبل أي شيء- وحقيقة لم أكن أراها عيوبا- لأنه من اطمأن قلبي له، فالشعور بالطمأنينة لا يمكنك الشعور به مع أي شخص”.
أغلقت مذكرتها وخلدت للنوم بعد أن أدت صلاة الفجر.
مرَّ يومان وميرال لا زالت تُفكِِّر بالأمر ولم تعطِ ردًًّا لكلا الطرفين.
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام، كيف أخبارك يا هدى؟
– بخير وأنتِِ؟
كانت تخشى أن سبب اتصال هدى أنها تودُّ أن تعرف ردّّها، وهي لا زالت متحيرة رُبََّما لو لم يتقدما الاثنين في نفس الوقت لكان الأمر أقل صعوبة وتحييرًًا.
– بخير حبيبتي وللّه الحمد.
– ما رأيك بأن تأتي معي للكلية فهناك شيء يجب أن أحضره.
– حسًنًا سأخبر أمي وآتي معك.
– حسًنًا سأمر عليكِ فمحمد سيأتي لإيصالنا.
وهنا ودّّت ميرال أن تخبرها أنها لن تأتي، ولكنها يجب أن تواجه الأمر أًيًا كان.
– حسسًنًا.
أتت هدى مع محمد كي يأخذا ميرال وذهبوا للكلية، وأثناء طريقهم لم تنطق ميرال بنصف كلمة.
– هيا ميرال، انتظرنا هنا يا محمد فلن نتأخر.
– حسًنًا.
أحضرت هدى ما تريده من الكلية وأثناء عودتهم قابلتا المدعو “شريف.”
– مرحًبًا بمن تركت كلية الطب هاربة مني.
– لم تعيراه أي انتباه وذهبتا.
اعترض شريف طريقهما وقال: “ألن تسلمي حتى قبل ذهابك؟”.
أتى محمد عندما رأى شاًبًا يقف أمامهما وعندما رآه وتذكره قال:
– أنت! ماذا تفعل هنا؟
– لا شأن لك فأنا علمت أنك لست خطيبها لذا لا تتدخل، وأنا أردت الاطمئنان عليها بعدما ذهبت لتلك الكلية التي تدعى دار العلوم.
– كيف عرفت كل ذلك؟
– لا شأن لكَ.
– من أين يعرف كل هذا؟
وجه محمد سؤاله لميرال فقالت مندهشة:
– ومن أين لي أن أعلم؟ وكيف توجه لي سؤالا كهذا؟
– يبدو أنه يعلم كل شيء عنك وتخبرينني بأنكِ لا تعلمي شيًئًا.
– كفى كلاًمًا لن أدعك تكمل شيء فأنا لست مجبرة أن أوضح هذا لك، وإن كنت متحيرة بأمر حسم قراري فالآن عرفت من سأختار. – تختارين؟
– أجل، سأوافق بالزواج من آسر.
– مااااذاا؟
قالها محمد صارًخًا بوجه ميرال.
– ميرااال، هيا استيقظي حبيبتي فقد قمت بتحضير الفطار الذي تحبينه.
– جدتي! كيف جئتِ إلى هنا؟ وأين أنا؟
– ميرال يبدو أنكِ كنت تحلمين حبيبتي، أنسيتِ أنكِ تبيتين معي من الليلة البارحة بعد أن ألححتِ على والدتك وتغيبتِ من المدرسة اليوم؟ – حلم! مدرسة؟ ألم أصبح طبيبة وحولت لكلية دار العلوم؟ ألن أتزوج بآسر؟
– آسر؟
قالها محمد حين سمعها وكان قد أتى من مدرسته على جدته ليعلم لماذا تغيبت ميرال اليوم.
– محمد، أنتَ لا زلت صغيرًًا.
– أنا عندي عشر سنوات وأكبركِ بعامين، وما الذي كنتِ تتحدثين عنه هذا؟ مََن الذي سيتزوج من آسر؟
– أنا.
قالتها ميرال وهي تخرج لسانها كي تغيظه وجدتهما تضحك عليهما.
– لاا، لن تتزوجي أحدا غيري يا ميرال.
انتهت قصة ميرال.